كل ما قرأت سورة الشعراء هزني النص الرباني في الآية 109 و الآية 127 و 145 و 164 و 180 حتى أني لأعشق سورة الشعراء من عظم الأثر التي تتركه في قلبي فورة قرأتني و سماعي لها. ففي الآيات الخمس نص رباني واحد هو "وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ" فإذا أردنا علاج بطش الجبارين و تكبر المترفين و شعور الخلد للمسرفين و الخلل الاجتماعي للمنحرفين و اختلال الميزان للتجار المفسدين فإنه لا بد لنا من مواجهتهم بنفسية المعطي الذي لا ينتظر و لا يقبل و لا يسعى للمقابل إلا من الله و الأكثر من هذا كله لابد أن يكون واضح و جلي للناس أن المصلح لا يريد المقابل لدرجة أن يرفض ويحارب المقابل فهو لله و مع الله و بالله يعمل و هل أجمل و أنظف وأرقى شعور من التوحيد الخالص الذي يصفي السريرة فلا تعلم هل أنت تمشي على الأرض أم تسبح مع الملائكة .
العطاء يعني أن أسعى بكل ما أتيت من جهد و طاقة على إتمام و إكمال الأمر للخلق ... و العطاء النقي هو ما يصاحبه ود و محبة و ألفة لمن أعطي له جهدي فلا من و تكبر إنما تواضع و انكسار لحوائج الناس ... العطاء هو ليس مهنة إنما قيمة تنعكس على جميع نواحي الحياة فلو صنفت النفوس ب النفس الكريمة و النفس البخيلة فالنفس الكريمة تترجم العطاء في كل شي حتى في كلامها و ردود أفعاله و حتى في غضبها و الأكثر من هذا حتى في كرهها فهي إن كرهت تركت الأمر و لم تحدث به مثلما عمل حبيبنا محمد عليه الصلاة و السلام.
و في عصرنا الحديث صار العطاء فن و احتراف فنجد من أفنى عمرة في قضية يعطي لها أنفاسه قبل وقته حتى كبار الشركات أصبحت تخصص أقسام للعطاء و تشجع موظفيها على المشاركة بالمجتمع دون انتظار مقابل مثلما فعلت شركة مايكروسوفت ... إنها دعوة لأن نعطي و لكن دون أن ننتظر مقابل و دعوة لأن نتشفى و نلتمس حوائج الناس و نساهم في حلها أو إتمامها.