ذكرى أيام الميلاد .. ذكرى للفرح ومناسبات للاحتفال, وفى ذكرى مولد النبى صلى الله عليه وسلم .. ينقسم المسلمون، ربما كالعادة، إلى فرق كثيرة, فرقة ترى الاحتفال بدعة ما أنزل الله بها من سلطان, وفرقة تراه سنة حسنة, وفرقة يعنى هذا اليوم لديها "علبة حلوى المولد الشهيرة"، والتى طالها وحدها التطور التكنولوجى الهائل. أناس آخرون يعنى لهم المولد قصيدة "نهج البردة" و"ولد الهدى", ناهيك عن تبارى القنوات التليفزيونية كالعادة أيضاً فى عرض الأفلام التاريخية. هل مولد الرسول مجرد تاريخ قديم؟ تخوننى مشاعرى أحياناً فلا أعرف هل ذكرى المولد من مواسم الحزن أم الفرح؟!
نفرح لأنه ولد, أم نحزن لأننا فى أمس الحاجة إليه, ولا نجده؟!
 
"لو كان النبى فى عصرنا، فإنه بالتأكيد سيكون أجمل وأروع رجل فى العالم وأكثرهم كاريزما وجاذبية وأناقة و"جنتله" وكل شىء", هكذا تخيلت صديقتى الصغيرة السن "النبى", فهى لم تكن تراه أبداً كمن تظهرهم لنا الأفلام والمسلسلات الدينية من شخصيات هى أقرب إلى الدراويش, منها إلى الصحابة.
 
ومن عجب أن من أجمل ما كتب عن النبى صلى الله عليه وسلم كان بمداد الغرب, رآه فلاسفتهم وعظماؤهم بعين غير متعصبة .. لذا تجد "وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ، صادق العزم بعيداً، كريماً بَرًّا، رءوفاً، تقياً، فاضلاً، حراً، رجلاً، شديد الجد، مخلصاً، وهو مع ذلك سهل الجانب، ليِّن العريكة، جم البشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب".
 
كان عادلاً، صادق النية، ذكى اللب، شهم الفؤاد، لوذعياً، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم، ممتلئاً نوراً، رجلاً عظيماً بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، وهو غنى عن ذلك، والكلام للفيلسوف الإنجليزى توماس كارليل الحائز على جائزة نوبل، فى كتابه "الأبطال".
 
وتقرأ "إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ فى تفكير محمد، وفى رأيى أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفق فى حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التى يرنو البشر إليها"، والكلام لـبرناردشو فى مؤلفه "محمد".
 
ويقول العالم الفرنسى إيتين دينيه: إن الشخصية التى حملها محمد (صلى الله عليه وسلم) بين برديه كانت خارقة للعادة، وكانت ذات أثر عظيم جداً حتى إنها طبعت شريعته بطابع قوى جعل لها روح الإبداع وأعطاها صفة الشىء الجديد. 
 
و"كان محمد رئيساً للدولة وساهراً على حياة الشعب وحريته، وإن فى شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التى تحملها النفس البشرية، وهما العدالة والرحمة" الكلام للفيلسوف الألمانى سانت هيلر .. أما الفيلسوف الهندى وأستاذ الفلسفة راما كريشنا راو فيقول "لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها، ولكن كل ما فى استطاعتى أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة، فهناك محمد النبى ومحمد المحارب ومحمد رجل الأعمال ومحمد رجل السياسة ومحمد الخطيب ومحمد المصلح ومحمد ملاذ اليتامى وحامى العبيد ومحمد محرر النساء ومحمد القاضى، كل هذه الأدوار الرائعة فى كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلاً". 
 
بعد كل هذا العرض الذى ربما لا يخفى على الكثيرين, ربما تتساءل بعض النساء معى هل يتنافى مع الوقار والهيبة والإجلال والاحترام, أن نتشوق إلى النبى "الرجل" ونحبه؟!
 
محمد الزوج الذى كان أول من يواسى, ويكفكف الدموع, ويسمع الشكوى ولا يتأفف, ويخفف الأحزان ويقدر المشاعر ولا يهزأ بها. 
 
الزوج الذى كان يمتدح عائشة, ويسر لها, ويهدى أحبتها, ويعلن حبها, وينظر إلى محاسنها, لم نسمع أنه عيّرها بأنها يوماً قالت أو فعلت ليس لأنها لم تقل ولم تفعل ولكن لأنه محمد, كان يعرف مشاعرها فيقول "إننى لأعلم إذا كنت عنى راضية وإذا كنت غضبى", كان يحتمل صدود زوجته ومراجعتها له, ويقبل هواياتها ولا يمنعها, وكان لا ينتقصها عند حدوث المشكلات، ولنطالع موقفه فى حادثة الإفك, لم يكن شائعاً وقتها أن يشرب من دمها أو يكسر رأسها، يتفقد الأحوال ليطمئن ويقوم بواجبات القوامة فى كل حين، فقد كان صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه فى الساعة الواحدة من الليل والنهار, لا يلتمس العثرات, ولا يخوّن.
 
يسره اجتماعها مع صويحباتها, وكان يقدر المشاعر ويواسى .. فيروى أن صفية كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر, وكان ذلك يومها, فأبطأت فى المسير, فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تبكى, وتقول "حملتنى على بعير بطىء", فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها ويسكتها"!
 
كان الزوج اللطيف الذى يتكئ فى حجر الزوجة، ويشرب من موضع فمها, ويطلب إليها تمشيط شعره, ويساعدها فى أعباء المنزل, مقبّلاً متطيباً فى كل حال.
 
"اشتقت لأحبابى" هكذا قالها، ونحن نرجو أن نكون نحن هم أحبابه. 
 
نشتاق إلى روحه التى كانت تعشق المرح والفرح والبهجة, وتشيع الدفء والأمان, نشتاق إلى لسانه الطيب العفيف عن الألفاظ الجارحة أو المؤذية, نشتاق إلى يديه التى لم تضرب قط, نشتاق إلى من كان يعلن الحب ولا يعتبره قدحاً فى الرجولة, نشتاق إلى من كان يعلن الاسم ولم يعتبر يوماً أن اسم الزوجة أو رسمها عورة, نشتاق نعم إلى خير الرجال.. نشتاق إلى العدل والرحمة فى أزمنة المظلمة والظلمة.
 
نشتاق إلى من صفا ووفى وبالله اكتفى .. نشتاق إليك نبياً .. حبيباً .. نشتاق إليك حبيباً.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية