في مدرسةِ المنفى تعلمتُ كل الحروف ..  إلا  حروف وطني " س و ر ي ا " .. لا أعلم لماذا حذفت من كتاب المدرسة ..!!
تعلمتُ  أن أرسمَ كل خرائطِ العالم .. إلا خريطة وطني ..!! لذلك كبرتُ وأنا أحمل في عُنقي سلسلةً فضيةً تتدلى منها خريطة فلسطين ..!!
في مدرسةِ المنفى تعلمتُ كيف أنطق كلمة : غربة .. هِجرة .. منفى ..  قيود .. سجن ..  حدود ..  دكتاتورية .. 

 لكنني كبرتُ وأنا أجدُ صعوبةً في نطقِ كلمة : وطن .. حب .. حرية .. عدل ..  الفرات  .. دمشق ..
في فناء المدرسة كل صباح أستمع إلى صديقاتي وهن ينشدن بصوت عال " النشيد الوطني "  ولم أكن أعلم لماذا عليك أن تقف رافعاً رأسك نحو السماء .. مبتسماً .. صارخاً بأعلى صوتك .. مترنماً باسم وطنك .. وكنت أتساءل لماذا علي أن أتغنى باسم وطنهن .. أليس لي وطن أترنم باسمه  ..!! تباً لهذه المدرسة .

في مدرسةِ المنفى تعلمتُ كل الحروف ..  إلا  حروف وطني " س و ر ي ا " .. لا أعلم لماذا حذفت من كتاب المدرسة ..!!
تعلمتُ  أن أرسمَ كل خرائطِ العالم .. إلا خريطة وطني ..!! لذلك كبرتُ وأنا أحمل في عُنقي سلسلةً فضيةً تتدلى منها خريطة فلسطين ..!!
في مدرسةِ المنفى تعلمتُ كيف أنطق كلمة : غربة .. هِجرة .. منفى ..  قيود .. سجن ..  حدود ..  دكتاتورية .. 
لكنني كبرتُ وأنا أجدُ صعوبةً في نطقِ كلمة : وطن .. حب .. حرية .. عدل ..  الفرات  .. دمشق ..
في فناء المدرسة كل صباح أستمع إلى صديقاتي وهن ينشدن بصوت عال " النشيد الوطني "  ولم أكن أعلم لماذا عليك أن تقف رافعاً رأسك نحو السماء .. مبتسماً .. صارخاً بأعلى صوتك .. مترنماً باسم وطنك .. وكنت أتساءل لماذا علي أن أتغنى باسم وطنهن .. أليس لي وطن أترنم باسمه  ..!! تباً لهذه المدرسة ..

سمعتُ إحدى صديقاتي تتحدثُ عن خالها .. وأُخرى عن عمها ..  وثالثة عن ابنةِ خالتها .. أما أنا فقد أجبرتني مدرسة المنفى أن أنسى هذه المصطلحات العائلية منذ أول يوم التحقت بها ..
في مدرسةِ المنفى .. تعلمتُ أن أحب الألوان القاتمة .. كالأسود .. والبني ..و الزيتيِّ ..
كُنت أرتدي مريولاً زيتي اللون .. وأحمل  حقيبةً بنيةَ اللون .. وأنتعلُ حذاءً  أسود اللون .. 

كُتبُ المدرسة ذات غلافٍ أسود .. والحروفُ سوداء .. والصور سوداء .. وسماءُ المنفى لا تشرقُ فيها الشمس ..  ولا تهطل عليها الأمطار .. 
سمعتهم يحكون عن قوسِ  قزح ..  وعن وردةٍ اسمها  .. نعم اسمها عبَّادُ الشمس ..
لكنني لم أشاهد يوماً  قوس قزح في سماءِ مدرسة المنفى .. أو وردة عباد الشمس في فناء المدرسة .. لماذا ..؟!

..  هنا الليل طويل .. والصباح باهت .. وقهوته مره  .. هنا الكل ينظرُ إليك نظراتِ استغراب حين تحدثهم عن الحب .. عن الشوق .. عن الوطن .. عن الدفء .. مصطلحات غريبة ..  بالنسبة لهم

ومعانٍ مفقودة ..!!
 هل عليك أن تُشرِّح جسدكَ أمامهم كما يفعلُ الطبيب الماهر لتُريهِم مواطنِ الحب وآثاره وأخاديده وبصماته التي تركها على جسدك .. !!
 هل عليك أن تأخذَ بأيديهم لتضعها على شريانِ يدك اليمنى .. علَّهم يستشعروا حرارة الحب المتدفق في شريانكَ والمتجه بقوةٍ نحو قلبك .. !!
 
هل عليك أن تخبرهم أنَّ رُوحك كل ليلةٍ تُهاجر إلى وطنك .. تَتَسلل خِفية .. حين ينامُ الظالمون .. تُصلي ركعتين في المسجد الأموي ..ثم تأوي إلى ركنٍ شديدٍ  في إحدى زوايا المسجد .. تبتهلُ إلى الله أن يجعل لهذا الوطن فرجاً ومخرجاً ..  هل عليكَ أن تُحدثهم كيف تركضُ روحكَ  نحو الفرات حيث صرخت هناك صرختك الأولى و الأخيرة .. كيف يشتعل قلبك بنار الغيرة حين ترى صبايا الحي يتسكَّعنَ على شاطئِ الفرات .. يغازلهن الموج .. ويبللُ أطراف ثيابهن .. ألا يحقُّ لك أن تَغسلَ رُوحكَ على أعتابِ الفرات .. أو يُبلِلَ الموجُ  ثيابك .. هل عليكَ أن تخبرهم كلَّ ذلك ..؟!!
هل عليك أن تُخبرهم أنَّ رُوحك قبل أن تغادر  تمرُّ بدارِ تلك الزوجة التي  حُرمت من زوجها أو الأم التي فقدت ابنها حين اغتالته يَدُ السجان لتُلقيِ به خلف قضبانِ الظلم .. ودهاليز  القمع  والاستبداد ..!!
 ولكني برغم ذلك أود أن أخبركم  أنني كفرتُ بكل مبادئ مدرسةِ المنفى .. وخالفتُ كل قوانينها وأنظمتها .. ومزقتُّ كلَّ كُتبها .. وكسرتُ الحرف الأسود .. وسكبتُ الحبر الأسود .. لأنني  عصيَّةٌ على الانكسار .. صعبةُ الانقياد .. رضعت الحرية مع اللبن .. ولكنني فقدتها في وطني .. وهاأنذا أبحث عنها كل يومٍ عند حدود الفجر ..

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية