رغم أنني بعيد عن وطني الجزائر , جزائر المليون ونصف المليون شهيد , جزائر الإستبسال و الثورة على الجيش الفرنسي و الحلف الأطلسي , إلاّ أن معظم الرسائل التي تردني , سواء عبر البريد الإلكتروني أو الإتصال الهاتفي , هي من المواطنين الجزائريين و الجزائريات , و أعترف أنني عقب كل إتصال هاتفي أو تواصل عبر الحاسوب تنبعث دموع حارة وساخنة من مآقيّ , لأنني بالتزامن مع قراءة ما يكتبه لي قرائي من الجزائر من الشباب والشابات , تكون السماعة الموصولة بالحاسوب تنقل إلى أذني أغنية الحاج العنقا " الحمد لله ما بقاش إستعمار في بلادنا أو أنشودة قسما و محمد مبروك عليك الجزائر عادت إليك أو قلبي يا بلادي أو كشاف هي و أشهدي يا سماء و نوفمبر الوفاء و شعب الجزائر مسلم و أرض أجدادي عليك مني السلام و أثامورث و يا شهيد الوطن وحماة المجد ومن دماء القلوب و أنشدوا و غير ذلك من الأناشيد التي تغلغلت في شعوري ولا شعوري و وعيي ولا وعيي , و ألزمتني لاحقا بتقديس التراب الجزائري , و حالت بيني وبين أن أفرّط في شبر واحد من أرض سقيت بدماء الأبطال و الأشاوس ..صحيح قد أملك رؤى سياسية مغايرة , وقد أختلف مع هذا وذاك من صنّاع القرار في الجزائر لكن عندما يتعلق الأمر بالجزائر فروحي فداها , و لا عاشت الأنفس إذا أساء أحدهم أمنيا أو سياسيا أو ثقافيا أو حضاريا أو عسكريا إلى أرض الشهداء ...
و بقدر ما أذرف دموعا بشكل تلقائي لإبتعادي عن أرض الشهداء التي همت بحبها وحبّ تاريخها وأشجارها وتمرها نعم تمرها الذي لا مثيل له في العالم , بقدر ما أفرح لأن الجيل الجديد في الجزائر يملك وعيا متقدما , و متابعة دقيقة للنتاج الثقافي والمعرفي , و ثقافة عاليا وحبا خالصا مخلصا للجزائر , ويملك رغبة أن يجعل من الجزائر دولة لا تموت بموت الرجال , دولة تقود العالم العربي والإسلامي , دولة حاضرة في المسرح الدولي لها كلمتها , وسيكون لهم ذلك , وهذا ما آراه رأي العين و قريبا جدا إن شاء الله تعالى ..
ما زاد في سعادتي وخففّ عني لوعة الغربة هو أن هذا الجيل الجديد يعرفني و يقرأ لي , ويتابعني سواء من خلال مقالاتي المكتوبة أو برامجي المرئية والمسموعة , و هنا يختلط عندي الفرح بالدمع مجددا , دموع تنهمر لأن بعض الشباب و الشابات يقولون لي : يا عمي لماذا أنت بعيد عنا , وللجزائر أن تفتخر بك , و قد إتصل بي يوما مواطن جزائري , وقال لي إسمح لي أن أقدم لك إبني , فكلمني إبنه باللغة العربية السليمة , وسألته عن إسمه , فقال لي إسمي يحي تيمنا بإسمك , لأن أبي يحبك , و الله لم أتمالك نفسي فشهقت باكيا , و الذي نقلني من حالة الدمع إلى حالة السعادة مجددا هو إتصال وردني من طالبة جزائرية , قالت لي : لقد إستوعبنا رسالتك كجزائريين وجزائريات ما زلنا نسعى لتحصيل العلم , لقد أردت أن تقول لنا : العلم , ثم العلم , ثم العلم , ثم العلم , فقلت لها , والله هذه قاعدتي في الحياة ...و بمجرد أن يردني سؤال من جزائري أو جزائرية أسعد للغاية , صحيح أنني أتأخر أحيانا في الرد عليهم لكثرة الأسئلة و كثرة أعبائي الإعلامية والثقافية و إنشغالي بالتأليف لكن لابد أن أرد , وأحيانا في نفس اللحظة , ومن الأسئلة التي وردتني مؤخرا وأجبت عنها ما يلي :
هذه الرسالة وردتني من مواطن جزائري وإسمه علي سألني قائلا :
ماهو تعليقك على قول : في الجزائر الحاليّة يَجِبُ ما لا يجب، وما يجب لا يجب
أخي علي الفاضل , السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , و أدعو الله أن تكون بألف خير , هناك مسألة تعلمتها من ألأزمة الجزائرية , و هي أنه يجب أن نكف عن جلد الذات , وتحطيم المركب الإجتماعي الجزائري , و التنكر حتى للمقدسات , هناك أخطاء جسيمة أقترفت في الجزائر , وكل بحسب مسؤوليته , فمثلما في مجال الذنوب هناك الكبائر والصغائر , فكذلك في السياسية , الكل أخطأ , وخلال عقدين , و نحن نجلد الذات , ونجلد التاريخ والراهن , و الذين تسببوا في الأزمة رحلوا , وسيرحلون , والكثير منهم في المستشفيات ..المطلوب من الجيل الجديد أن لا يتورط في أخطاء الذين إنتقم منهم الزمن , ولغة الإنتقام ليست في القاموس الإسلامي والنبوي : إذهبوا فأنتم الطلقاء , قول الرسول محمد –ص- لمشركي قريش الذين هجروه وإنتقموا منه ..
وصدقني حتى لو تولت حكومة إسلامية الحكم في الجزائر لعملت على أن تبقى في الحكم إلى يوم يبعثون , لأن الحكم لذيذ , و قد رأينا بعض الإسلاميين عندما أصبحوا ضمن دوائر القرار في الجزائر صاروا أكثر طغيانا و جشعا وجمعا للمال المتنفذين في الجزائر ...
الجزائر في حاجة إلى مشروع جديد يعتمد الأصالة والمعاصرة , و مشروع يأخذ بعين الإعتبار خصوصية المجتمع الجزائري و مكوناته و بالإضافة إلى ذلك فهو بحاجة إلى رجال جدد , يجب أن نبحث عن العقول الجزائرية الذهبية , لتقود سفينة الجزائر نحو المستقبل المربك في تعقيداته الأمنية و العسكرية و الإستراتيجية ...
وسألني آخر قائلا :
سؤالي هو لماذا رشّحت نفسك في انتخابات خاسرة ولم تجنو منها شيء
في الاخير تقبلو منى اسمى عبارات التقدير والاحترام.
أجبت عن سؤال مماثل , و مع ذلك أعيد بإضافة ما لم يرد في الجواب السابق , فلتعلم أخي العزيز أنني أزهد في الحكم إلى أقصى درجة , و على صعيد تكويني الشخصي , فإني أفضل أن أكون في دوائر العلوم والثقافة والإنتاج الفكري , على أن أكون في دوائر الحكم .
و الرسالة هي أن جيل الشاب , وجيل الإستقلال في الجزائر بات قادرا على تولي المسؤوليات الجسيمة .
و سألتني طالبة جزائرية :
من تسببّ في الأزمة الجزائرية ! فأجبتها : في رؤيتي للمصالحة الوطنية الشاملة في الجزائر كتبت قائلا :
واحد من أهم أسباب الفتنة العمياء التي عصفت بالجزائر هو وجود مدرستين متطرفتين أوشكتا أن توصل الجزائر إلى هاوية الضياع السياسي والأمني والإستراتيجي , فالتطرف العلماني واللائكي الذي بات مقرونا وإبعاد الخطاب السياسي الرسمي عن الجذور الحضارية التي تحدد ملامح الشخصية الجماعية في الجزائر هيأ الأسباب للتطرف الإسلامي التكفيري بل ساهم في إنتاج شروطه في المشهد الجزائري لتحققّ الفئة الأولى هدفها المركزي في تشويه الإسلام و تسفيه الحضارة الإسلامية و التأكيد على أنّ الإسلام السياسي لا ينفع للجزائر بقدر ما ينفعها التغريب واللغة الفرنسية و الطريقة الغربية في العيش , وبالمقابل حكمت مدرسة التطرف التكفيرية على كل أركان المدرسة الأولى بالكفر وبالتالي الذبح والقتل , و دخل أبناء الجزائر في فتنة أججتها أطراف إقليمية ودولية , كان يهمها أن تختفي الجزائر عن المشهد العربي والإسلامي .
وسألتني طالبة من الشرق الجزائري قائلة :
فهمنا أن البعض في الداخل الجزائري ساهم في إنتاج الفتنة , لكن ماذا عن الخارج !
أجبت قائلا : قريبا ستقرآين كتابا لي بعنوان إرادات دولية وإقليمية تآمرت على الجزائر , و فيه سأكشف عن كل الدول الإقليمية العربية طبعا , و الدولية , هناك خمس دول عربية كان يهمها أن تتمزق الجزائر , بالإضافة إلى أمريكا وفرنسا وإسرائيل ...
و أنا لا أريد أن أحرق مصادري , فأنتظري المفاجأة .
و حجم الأسئلة التي تردني تصلح أن تجمع الأجوبة عنها في كتب ذات أجزاء متعددة , و كم تغمرني السعادة , عندما يختم الطالب أو الطالبة من الجزائر إستفساراتهم , بقولهم / عمي نحبك , و ندعو الله أن نراك في الجزائر قريبا , فأشكر الله على نعمة الحضور بين أبناء وطني , وأقول في قرارة نفسي لولا العلم لكنت نكرة ونسيا منسيا , و هذه معادلة يمكن توسيعها لتصير لولا العلم لماتت الدول و مسخت و إنتهى ذكرها , إذن بالعلم و العلم تنهض الشعوب و تقوى الدول.