يعجبني المثل العامي الذي يقول: يا خبر بفلوس..بكرة يبقى ببلاش لأنه يضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بصناعة الإعلام لأن الخبر أهم مميزاته الجدة والطزاجة والآنية، وأما أن تقرأ الخبر الذي يحدث اليوم في صباح اليوم التالي فهذه مصيبة كبيرة، ولا أدري إلى متى ستقاوم هذه الصحف الورقية الغبية التي لاتزال تظن أنها بأخبارها البائتة "تجيب الديب من ديله" في هذا العصر الذي تصلك فيه الأخبار طازجة بالصوت والصورة وبالمجان أيضا، وتستطيع مشاهدتها حتى على شاشة لابتوبك أو جوالك مباشرة،

ولكن يبدو أن العيب فينا نحن الذين مازلنا نحن إلى الورق والحرف المكتوب بالحبر الأسود رغم ما فيه من مخاطر صحية ونجد متعة كبيرة في ضرب الجريدة بعنف حين يهزم فريقنا ونستمتع بتمزيق بعض الصور أو تشويهها أو البصق عليها في حال الغضب المنفلت أوتقبيلها في حال الإعجاب بها، ولكن يوما ما لن يشتري الصحيفة الورقية إلا من يرغب أن يستخدمها سفرة لطعامه، لأنه ستوزع مجانا، أو ستكون ارخص من قيمة سفرة الطعام في أحسن الأحوال..
 قدر الله علي واشتركت في إحدى الصحف المحلية..كانت ليلة سودا مهببة بستين نيلة تلك الليلة التي ذهبت فيها إلى سوبرماركت لشراء بعض المواد الغذائية في رمضان، حينها استقبلني مندوب التسويق المصري المدرب على أن يتمكن من إقناعك بشراء أي شيء حتى الهواء، وكله إصرار على أن يضمني إلى قائمة المشتركين أو المغفلين الجدد..

كان العرض مغريا، وكان في جيبي نقود لا تكفي إلا لشراء المقاضي، ومع العرض وجدت أنني سيتبقى معي كوبونات بمئتين ريال ستكون كافية لشراء الضروريات وتأجيل الباقي..

اشتركت وليتني ما اشتركت، كان الاشتراك أشبه بالكاميرا الخفية حيث اختفت نقودي فقط، وأما الصحيفة فلم تصل ولم يتصل بي أحد لمدة أسبوعين بعد الاشتراك..


بدأت بالاتصالات من جوالي على جدة وعلى الرياض – والحسابة بتحسب-، وذكرتهم بأني مشترك ولم تصلني الصحيفة حتى الآن، وبعد رجاء شديد وعدني الموظف بأن تصلني في أقرب وقت لأن الضغط شديد هذه الأيام بسبب الطلبات الكثيرة الجديدة، وحمدت الله أنني لست المغفل الوحيد على الأقل..

بعد أسبوع اتصل بي مندوب التوزيع وكان يتجول بسيارة التوزيع المهترئة في الحي لأصف له الموقع تحديدا، فخرجت فرحا إلى الشارع وأخذت أصف له حتى وصل، وكنت أظن أنه سيركب الصندوق، ولكنه بدلا من ذلك كتب رقما على الجدار، وسلمني عددا من الجريدة الساعة الخامسة عصرا وأنا الذي أحرص على قراءة الصحف صباحا مع الإفطار..

وفي صباح اليوم الذي يليه جاء الموزع ورمى الصحيفة في مدخل العمارة المكونة من عدة شقق ومضى، وحين أردت الخروج من العمارة لشراء أي صحيفة وجدت صحيفتي ملقاة على الأرض وقد اكتست بالغبار..وحمدت الله على أننا لايوجد لدينا أمطار طوال العام وإلا لوجدت الأخبار والأحبار رطبة وغارقة في الوحل يوميا..

كنت في إجازة تلك الأيام وحمدت الله على هذا التقدم المذهل، وفي اليوم الذي يليه بحثت على الصحيفة في موقعها بالأمس فلم أجدها، وحين اتصلت بالاشتراكات أكدوا لي أن الموزع أحضرها لي، فتأكدت من أن أحد الجيران ظنها هدية أو صدقة فأخذها إلى شقته..

تكرر فقدان الصحيفة عدة مرات، وحينها اتصلت بالاشتراكات مرغما وطلبت منهم صندوقا، فطلبوا مني تسديد مبلغ أربعين ريالا قيمة الصندوق عن طريق الصراف وإرسال الإشعار بالفاكس وأنا الذي توقفت عن استعمال الفاكس منذ سنوات بعد اكتشاف الإيميل، ومع ذلك قمت بكل ما طلبوا وانتظرت أسبوعا حتى وجدت الصندوق والصحيفة تحت درج العمارة..

اتصلت بالاشتراكات متذمرا فقالوا لي: نحن نسلم الصندوق ولا نركبه..

تعوذت بالله من الشيطان الرجيم، وأحضرت عاملا ليثقب ثلاثة ثقوب في الجدار ويعلق الصندوق وأعطيته مبلغ 20 ريالا..

والآن تصل الصحيفة الساعة العاشرة تقريبا أو التاسعة والنصف، وحينها أكون في العمل وقد تصفحت عددا من الصحف ورقيا وإلكترونيا ومن بينها صحيفتي التي اشتركت فيها..

لن أطيل عليكم أكثر..والآن بعد هذه التجربة المريرة فعلى من يرغب في شراء الصندوق والاشتراك مني مع التركيب المجاني أن يتقدم بعطائه مشكورا.. (للمغفلين الجادين فقط)!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية