شغلني كثيرا اختلاف البعض من المشايخ فيما بينهم، ولكن ليس الاختلاف ما يشغل بالي، فهذا طبيعي عند البشر، ولكن أسلوب الاختلاف والإعلان عنه، فلا أحب أن أرى طوال القامات ينحنون للمد الإعلامي السلبي، ولا أود أن أراهم إلا في اتفاق بين العامة وانسجام، وإن كان لابد من الإعلان عن هذا الاختلاف أو ذاك لسبب أو لآخر، أود أن أراهم كبارًا في رأيهم، رحماء فيما بينهم، عقلاء في طرحهم، وإحسان الظن في بالهم، والموضوعية في رأسهم، وغير متبعين هواهم، ويحومون حول الألفة الدينية، ومبتعدين عن اللمز والهمز والسخرية غير المباشرة وهكذا.
أرغب بشدة في أن يتذكر هؤلاء المشايخ أن إبليس ومن هم على شاكلته من الإنس حولهم، يزيدون من اختلافهم حتى يجعلوه خلافا دائما، ولا يمانعون بأن يجعلوه الشغل الشاغل لهؤلاء المشايخ حتى يثنيهم عن ما هو أهم وأسمى، وهو تعزيز الاتفاق في أمورنا العقدية، وترسيخ قيمنا الإسلامية في المجتمعات المسلمة، والاجتهاد بطلب العلم والانشغال به، والتركيز على نقل علومهم الشرعية إلى طلاب العلم الشرعي.
وبصفتي متخصصا في التغيير، فإن هذا النوع من الاختلافات يرسخ التقسيم المذموم في المجتمعات المسلمة، ويقلل مساحة الاتفاق، ويعطل الطاقات، ويشوش الفكر، ويتعب الأفكار. وأيضا عرض أمور فقهية على العامة يزيد من حيرتهم، ولا يثري معارفهم الشرعية، ويجعلهم يتفقون مع من يميلون إليه، بغض النظر عن صحة قوله وفعله، وهذا بحد ذاته يخلط الأمور عليهم حتى يملون، ثم تراهم بعد فترة وقد أصبحوا لا يتفاعلون مع أمور دينهم، بل ويتجرؤون على العلم والعلماء وهنا الطامة الكبرى، وهنا التغيير السلبي الذي لا نود أن نراه.
وبما أنني أتأدب عند نصح الكبار، لذا أترك هذا الأمر للعلامة بن باز ـ رحمه الله ـ حينما قال: «على الداعي إلى الله والمعلم أن يتحرى الأساليب المفيدة النافعة، وأن يحذر الشدة والعنف؛ لأن ذلك قد يفضي إلى رد الحق وإلى شدة الخلاف والفرقة بين الإخوان، والمقصود هو بيان الحق والحرص على قبوله والاستفادة من الدعوة، وليس المقصود إظهار علمك أو إظهار أنك تدعو إلى الله، أو أنك تغار لدين الله، فالله يعلم السر وأخفى، وإنما المقصود أن تبلغ دعوة الله، وأن ينتفع الناس بكلمتك. فعليك بأسباب قبولها، وعليك الحذر من أسباب ردها وعدم قبوله». والله ربي هو المستعان.