هذا نثار لغوي من شؤون وشجون لغوية ترافقني وتستوطن ذهني. قررت اليوم أن أدونها، علني أجد من يشاطرني الهم والتساؤلات والآمال.

الأمة وربتها
حيث أقرأ حديث الصادق المصدوق -صلوات ربي وسلامه عليه- في شأن علامات قيام الساعة "أن تلد الأمة ربتها"، يتبادر إلى ذهني فورا اللهجات العامية! فاللهجات العاميّة (المتولدة أصلا من العربية) صارت الآن الربّة، والعربية الفصحى أَمَة، فمن يُعتق رقبتها؟



الترجمة الصوتية

أمر أرى أن عليه أن يثار، وهو الترجمة الصوتية للكلمات والمنتجات التي لا تعرب. فمثلا، كيف نكتب Facebook؟ الكتابة الشائعة لها هي فيسبوك، وهذا خطأ فالصحيح لغويا هو فيسبُك فرغم كتابة حرفي علة في كلمة book، فإن الكلمة تنطق بحرف علة قصير وليس طويلا فنقول "بُك" وليس "بوك". علما بأنه لا يصح أن تفصل الكلمتان على شكل "فيس بوك" أو حتى "فيس بك" لأنه اسم علم بالإنكليزية اختار له أصحابه أن يكون على شكل كلمة واحدة.
ومن الأمور الطريفة الترجمات الصوتية الواردة في الصورة أدناه المأخوذة من النسخة العربية من موقع Mozilla (مزيلا أو موتزيلا) الشهير والرائع. لكن مترجمي الصفحة بالغوا بعض الشيء في ترجماتهم الصوتية إلى العربية:




فـ SeaMonkey كتب على شكل "سيمانكي" بالألف وكان يكفي استعمال الفتحة "سيمَنْكي"، وSunBird التي كتبوها على شكل "صنبرد" والأصوب "سنبيرد" أو "صنبيرد". و"صنبيرد" هذه يقودني إلى سؤال يجول في ذهني منذ سنوات طوال حول الأساس التي تحول فيه بعض الحروف أثناء نقل الكلمة إلى العربية.
- فالتاء تصبح طاءً، كما في: واشنطن، وأنطوان، وطوم، وأنطولوجيا، طوكيو، وبنطلون، ومسطردة. بل أني قرأت اسم "إيمانويل كانت" وقد كنت على شكل "عمانويل كانط"!
- والكاف تصبح قافا، كما في: رومنطقي، وموسيقا، وهرقل، ودوق، وقيّوط، والبلطيق.
- والسين تصبح صادا، كما في: صندل، وباص، وصودا، وصول (في السلم الموسيقي)، وصلصة، وصموئيل، وصوديوم.
- والدال تصبح ضادا، كما في: موضة، وليموناضة، واللاضيّة  (المذهب اللاضي المعادي للآلات).
- والألف أيضا تتحول إلى عين في بعض الأحيان، كما في: معكرونة، وكعك، وعمانويل.
- الطريف أن الآية معكوسة مع صوت ال" ڤ " إذ نتطرّف أحيانا ونحول الفاء إلى "ڤ" حين نقول جبنة "ڤيتا" والصحيح هو "فيتا" Feta، وبرج "إيڤل" والصحيح هو برج "ايفَل" Eiffel كما ينطق في الفرنسية أو "آيفل" كما ينطق بالإنكليزية. إلا إذا كنا نرى أن البرج شر ويستحق تسمينه ببرج إيڤل Evil! بل أني سمعت البعض يسمون مشروب Fanta المعروف بـ"ڤانتا" رغم أن اسمه الأصلي بالفاء.
كل هذه الأمثلة تجعل عقلي يطيش تساؤلا عن القاعدة التي تحكم نقل الكلمات إلى العربية، فهل تغليظ الأحرف هو جواز مرور الكلمات إلى العربية؟




الغم، والغرام، وكلوا قز!
حين أتسوق لا يمكنني أن أكتم ضحكاتي على الاجتهادات التي تجابه من يقومون بكتابة الملصقات العربية على المنتجات. وصرت أظن في أحيان أنه إذا أردت أن تعذب أحدهم، فاجعله يعمل مترجما في هذا المجال. وكي تشاركوني هذه المشاعر، شاهدوا هاتين الصورتين:



هل يعقل أن تصدر كل هذه المشاكل من الوحدة الوزنية الهزيلة المسماة بالGram؟ فالبعض يكتبها جرام (وقاكم الله شر الإجرام)، والبعض الآخر غرام، ويا سلام! والأطرف يحدث حين تختصر هذه الوحدة، فاختصارها إما أن يكون "غم" (والعياذ بالله)، أو "جم" (كثّر الله أدبهم الجم). وأتذكر أني ذات مرة كنت أقرا وصفة داخلية لأحد المضادات الحيوية، فقرأت أن هذا النوع مخصص للبكتيريا "سالبة الغرام"، فتساءلت عن هذه البكتيريا التي تنزع الغرام من أفئدة البشر، وإذا بي أعرف لاحقا أنه نوع من البكتريا يسمى Gram Negative Bacteria.
وحين تقرأ Al Gore نائب الرئيس الأمريكي الأسبق فإنك أما تجده قد كتب على شكل "جور" أو "غور" وكلاهما له معنى باللغة العربية! وهذا يفتح الباب على مصراعيه حول معضلة الجيم المصرية وكيفية كتابتها. فالبعض يكتبها على شكل "چ" لكن هذا الحرف في الخليج يستخدم للدلالة على صوت الكاف المكشكشة "تش" "ch"، أما في مصر فيستعمل للدلالة على الجيم غير المصرية (سواء أكانت معطشة أو بمثل نطق معظم بلاد الشام لها) كما في قولهم "أباچورة" أو "چالا" أو "چيهان".

أما في تونس (وربما بقية بلاد المغرب العربي أيضا)، فيستخدمون حرفا غريبا؛ قاف عليها 3 نقاط. ومن لا يعرفه قد يظنه للوهلة الأولى صوت الـ "ڤ" كما في الصورة أدناه:




والبعض زاد الطين بلة، وحاول حل مشكلة فخلق مشكلة أخرى. فنجد منتج Kellogs يكتبون اسم منتجهم بالقاف "كلوقز" على اعتبار أن أهل الخليج يحولون القاف إلى جيم مصرية في نطقهم. لكن ماذا لو قرأها شخص من لهجة لا تحول القاف إلى جيم مصرية. عندا سيظن أن اسم المنتج هو "كلوا قز" وربما دخلت دودة القز الشهيرة في تكوينه ويستحسن لذلك لبس هذا المنتج بدلا من أكله!




ولعل أصوب ما يستخدم للتعبير عن الجيم المصرية هو الـ "گ" أو في حال عدم توفرها يمكن استخدام الكاف، والسبب في هذا سبب صوتي بحت، فالقاف والـ "گ" صنوان ولهما المخرج ذاته تماما إلا أن القاف مهموسة devoiced والـ "گ" مجهورة voiced ودارسو التجويد يعرفون الفرق. وإحدى الألعاب الطريقة التي يمكنك أن تعلم الأطفال (أو حتى الكبار!) مخارج الحروف هي أن تطلب منهم وضع إصبعين على مكان الأحبال الصوتية، أو وضع إصبع على كل أذن، ثم حاولة نطق الأصوات الشقيقة، وستجد أن ثمة اهتزاز خفيف في حالة الأحرف المجهورة مثل الـ " ڤ " في حين أنه لا يوجد اهتزاز في حال نطق الفاء. . ومن الأصوات الشقيقة أيضا هي الكاف و الـ "گ"، والباء و"پ"، والتاء والدال، والهاء والحاء. فالأولى مهموسة والثاني مجهورة، لكن كلتيهما تخرج من المخرج نفسه.
وعلي أن أشير هنا أني لا أسعى إلى تشويه الحروف العربية بل إلى إنقاذها من التشويه ومن تحميلها استعمالات لا تتحملها. فما يحدث فوضى في نقل أصوات نستطيع نطقها ولكن لا يوجد رمز موحد لكتابتها، فهل يرضيكم أن نكتب "غوغل" و"جوجل" و"قوقل"! ماذا لو زارنا شخص من المريخ، ألا تخشون أن يظن أننا مصابون بانفصام في الشخصية اللغوية، فلم نستطع أن نجد كتابة موحدة لمالئ الدنيا وشاغل الناس "گوگل"؟


وفي الصورة أعلاه نجد مثالا طرفا على التذبذب في النقل الصوتي للأسماء، فكلمة Gain نقلت على شكل "غين" في حين أن بقية الحروف الأجنبية مثل الـ "ڤ" و "پ" نقلت بشكل مطابق لنطقها الأجنبي. كما أن تحويل السين إلى صاد بادٍ هنا. وما كان كل هذا ليقع لو أن هناك قائمة موحدة من القوانين التي تحكم النقل الصوتي للكلمات التي لا تعريب لها مثل أسماء المنتجات والعلامات التجارية وأسماء الأشخاص.
وكذلك اسم إحدى شركات الاتصالات في الكويت " ڤيڤا"، فكتابتها بفاء "فيفا" يجعل القارئ يخلط بينها وبين الاتحاد الدولي لكرة القدم المعروف اختصارا بـ"فيفا".



سُفُنُ أَبٍ!

كنت أتأمل زجاجة مشروب "سڤن أپ" وتخيلت كيف سيكون الحال لو كتبوها "سفن أب" ورآها شخص لم يسمع بهذا المنتج من قبل. لعله سيظن أن المنتج هو "سُفُن" (جميع سفينة) وأَب (بمعنى والد)، فيكون المقصود هو سفن يملكها أحد الآباء!



ملل وسم!

تحدثت قبل قليل عن الگرام" واختصاراته. ويبدو أن المختصرات المضحكة للوحدات القياسية لم تتوقف. فاختصار المِلِمتر، فقط يكون على شكل "مل" أو "ملل"! وفي أحسن الأحوال "ملم" أو "م. م.".  واختصار سنتمتر هو "سم"! ولا أعرف لم هذه الاختصارات ذات المعاني المزعجة.




فرحة لم تتم
جاء الخبر على مسمعي وعيني سعيدا، سعيدا. الآن يمكن للعديدين من الوصول إلى مواقعهم دون الحاجة إلى تغيير لغة لوحات الأزرار التي يستخدمونها إلى النص اللاتيني. جرب الآن كتابة التالي في متصفحك:
دليل.السعودية
وستجد أنه يقودك إلى موقع المركز السعودي لمعلومات الشبكة. وهذه خطوة رائعة تجعل تصفح الإنترنت يسيرا على الكثيرين الذين لا يرتاحون إلى اضطرارهم إلى تغيير لغة لوحة الأزرار لكتابة عنوان موقع عربي بالحروف اللاتينية. وهذه الخطوة الميمونة لا تشمل اللغة العربية وحسب، بل لغات أخرى مثل العبرية والكورية وغيرها. أما عن اللغة العربية، فتم الآن إطلاق 3 نطاقات هي .السعودية و .مصر و .امارات
وعلي أن أقاسمكم شعورا بالإحباط الذي يقترب من حد الاكتئاب حين رأيت الخطأ اللغوي في النطاق المخصص للإمارات، فقد كان .امارات بهمزة وصل، والصحيح هو بهمزة قطع. فلو ذهبت إلى خليفة.امارات سيعمل الموقع، لكن لو تبرعت بتصحيح الخطأ إلى خليفة.إمارات ستجد الموقع لا يعمل للأسف.
لا ندري هل سهت "الآيكان" عن الأمر، أم أنها رأت أنه من الأسهل تحول جميع أنواع الهمزات إلى همزات وصل، وكفى الله الإنترنتيين شر الجدال. لكن الأمر يفتح الشهية لمزيد من الأسئلة. فلو أخطأ أحدهم وكتب أرامكو.السعوديه بهاء بدلا من التاء المربوطة (وهذا خطأ شائع) أو موبايلى.السعودية بألف مقصورة بدلا من الياء (وهذا خطأ وراد)، أو وزارة-الإتصالات.مصر بهمزة قطع بدلا من الوصل (وهذا خطأ كثير الحدوث) فإنه لن يصل إلى بغيته.
فهل تكون هذه فاتحة خير كي يتعلم العرب التهجئة السليمة. وأرجو ألا يتفتق ذهن أحد عن فكرة جعل النظام يظن جميع أنواع الهمزات واحدة، ويساوي بين الهاء آخر الكلمة والتاء، والياء والألف المقصورة، وهذه أمور مأخوذ بها في محرك البحث گو گل مثلا.




ز:  وجه باسم وله شامة!
كل هذه القضايا اللغوية الشائكة والمتروكة فتحت شهيتي اللغوية، وذكرتني بالانزعاج الذي نعانيه حين نحتاج إلى استعمال "علامات مشاعر" غير عربية في نص عربي، مثل علامة الوجه الضاحك :D وعلامة الوجه الهازل :P إلى أن لاحظت أن بعض مستخدمي الإنترنت صاروا يستخدمون الشكل التالي 9: بدلا عن حرف الـ P باللغة الإنكليزية. فأخذت أخربش بحثا عن علامات تعبيرية يمكن سبكها من الحروف العربية. وهذا بعض ما وصلت إليه.
ز: (وجه مبتسم وله شامة!)
:ر  (وجه حزين أو مريض)
د: (عينان وأنف شخص سعيد)
ي: (وجه غاصب)
:ة   (قبلة)
ع-: (وجه حزين يوشك على البكاء)
غ-: (وجه باك)
ق: (لسان معقود)
لا:  (فم مغلق، لا تعليق)
:- ل (وجه متردد أو غير راض)
: - م (وجه ممتعض)
: - ن (وجه ممتعض ولا يستطيع الحديث)
ه.ه  (وجه مصدوم)
: - ه (وجه مندهش)
:و   (وجه مريض أو يشعر بالقرف)
و:  (وجه متلمظ عند حضور الطعام) لاحظوا التسعة يجب أن تكون بالأرقام الهندية.
^ر^ (وجه مُحرج)
^و^ (وجه مصاب بالزكام!)
ء^ء  (وجه متكبر)
:٩ (وجه هازل يخرج لسانه إلى الخارج) لاحظوا التسعة يجب أن تكون بالأرقام الهندية.
٧.٧ (وجه متأمل – عينان مغمضتان) لاحظوا السبعة يجب أن تكون بالأرقام الهندية.
٨.٨  (مرح) لاحظوا الثمانية يجب أن تكون بالأرقام الهندية.
٩.٩  (وجه باكٍ) لاحظوا التسعة يجب أن تكون بالأرقام الهندية.
ك*ك  أو ك^ك   (تركيز)
0_0 (وجه مصدوم أو بلا ردة فعل)
ء _ ء (وجه منوّم مغناطيسيا)



لطائف لغوية


- من الأمور التي تحمل فيها جانبا من الطرافة هو غموض اللغات في مواضع معينة حيث لا يمكن معرفة إلى أي موصوف تعود الصفة. فمثلا حين تقول "أيام السنة الطويلة" فهل "الطويلة" عائدة إلى الأيام أم السنة؟ وحين تقول "هذه سيارة مؤسستنا المستأجرة" يمكنك أن تمازج القائل وتسأله ما المستأجرة، المؤسسة أم السيارة، طبعا كل هذا على فرض تسكين الآخر، أما أن شُكّل الآخر، زال الغموض. وإذا قلت "هذا كتابي الأخير"، فهل تقصد أنك لن تكتب كتابا بعده، أم أنه أحدث كتبك؟ أما إذا قلت "سلم لي على أصدقائك العظماء" فثمة غموض من نوع آخر هنا، فهل المقصود وصف أصدقاء الشخص جميعهم بالعظمة، أم أنك تقصد السلام على العظماء من أصدقاء الشخص فقط.


- حين تقول المرأة لزوجها كما جاء في الحديث "ما رأيت منك خيرا قط" فإن هذا يعني أنها لم تر من هذا الرجل أي خير، إما إذا عكست المرأة موضع "منك" وقالت: "ما رأيت خيرا منك قط" صار المعنى أنها لم ترى شخصا أفضل منه! فتأمل كيف يعكس موقع الكلمة المعنى. وسبحان من جعل النبي الأمي –صلى الله عليه وسلم- أفصح العرب، فوضع حرف الجر موضعه، فاستقام المعنى وزال الالتباس.



كاتبة ورئيسة تحرير دار ناشري للنشر الإلكتروني
كاتبة كويتية. حاصلة على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية واللغة الإنكليزية من جامعة الكويت بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، وعلى درجة الماجستير في علوم المكتبات والمعلومات من جامعة الكويت. صدر لها 15 كتابا مطبوعا: أربع روايات، ومجموعتان قصصيتان، وكتاب في اللغة وآخر في شؤون المرأة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية