صديقي الكاتب..هل فكرت يوماً وقررت أن تأخذ قراراً جريئاً نابعاً من ذاتك وقناعاتك؟ هل فكرت يوماً أن تبدي وجهة نظر مخالفة لمن تحبه وتحترمه دون حساب لانزعاجه وردَّة فعله..؟ وهل جرّبت أن تعادي أهواءك وقناعاتك التي جاءتك معلّبة كالسردين، ومع الزمن أدركت أبعادها القريبة والبعيدة وهل أعلنت موقفك على الملأ والتزمت به دون خوف من نفسك ودفاترك القديمة؟..
إذا أجبت بنعم فأنت تجاوزت عصرك ونفسك..إذاً هيئ نفسك لقادمات الأيام لتبدي رأياً يخصّك ويخصّنا..
صديقي الشاعر..هل فكرت يوماً وقررت أن تكون شاعراً يشار إليه بالبنان؟ وهل جرّبتَ وقلت: نويت أن أكون شاعراً أو أن اكتب قصيدة هذه مواصفاتها..وذهبت لتجمع المفردات وعناوين الدواوين والقصائد ولَمَمْتَ صورة من هنا وصورة من هناك ولفظة من هذا ورأياً من ذاك ثم دخلت المعترك مرفوع الرأسِ متسلحاً بالجهل وبفراغ الساحة من النقاد والمتابعين.. وهل جربت القول والعمل على أن ترفع من شأن هذا لأنه أيَّدك الرأي وناصرك على خصم لدودٍ من أصحاب القلم. وهل جربت أن تحط من شأن ذاك الذي خالفك الرأي وأبدى وجهة نظرٍ مغايرة لك فقلبت حسناته التي ذكرتها في يوم من أيام الصفاء إلى مساوئ وعيوب لا يقبلها العقل والنظر والسمع والمنطق..إنها دعوة لتكفير الذنب..
وهل جربت يوماً أن تقف على قدميك. وبعد أن تتوضأ وتتوجه إلى جهة ما ان تقول: نويت أن أكون شاعراً مُحدَثاً ومُحدِثاً ومتحدِّثاً فهمَ الناس أم لم يفهموا. حضروا أو لم يحضروا..؟ وهل سعيت يوماً وبلا حرج وقلت على الملأ: هذه عوراتي فأرجو سترها، وهذه أوراقي فأرجو قراءتها وتصحيحها وقد تخشى قول الناس:إنّه مجنون. أهناك من يسلم رقبته لأعدائه ورقبائه ويقول لهم: اذبحوني كنعجة بلهاء بريئة..
هل حاولت أن تجرب ذاكرتك، وأغلبنا أضحت ذاكرته مثقوبة يعيش فيها الفطر والأشنيات؟ هل تساءلت عن مصير الكثير  ممن فُتحتْ لهم المنابر. وجُنّدَ لهم الفرسان وأبطال التصفيق والتدبيج، وتسابقت الأقلام لتلميعهم حتى أصبحوا ينافسون الفنانين العالميين وأبطال "الكاوبوي" أين هم الآن؟ وأين المريدون الأدعياء؟ وأين حضورهم وجنون عظمتهم وشهرتهم الجوفاء؟ وأين المتبنون لهم؟.. وهل فكرت وتساءلت أين هم الآن وفي أي تيار وبحرٍ يسبحون؟! أفي الشرق أم في الغرب؟ أهم مع الدولار أم مع الروبيل؟ أم..
وهل غيّروا لون عقدتهم، وأنزلوا الصور والتفتوا إلى اللوحات التجريدية والعارية؟.. وربما فكروا بتغيير أسماء اولادهم مع تقديم بطاقة اعتذار وأسف..وربّما حذفوا إهداءات قصائدهم ودواوينهم..
يبدو أنني احاول إثارتك، ولكنك تقول في سرك: دعه وشأنه ماله وهذه الفضائح؟ ألم يسمع: إنَّ من غربل الناس نخلوه..
صديقي العزيز: أرجو أن تحتملني لثوان قليلة ومن ثم عد إلى المحطات الفضائية وبرامج الحوارات ونشر الغسيل العربي الذي لم يدخل مرحلة التجفيف والكوي بعد..هذا الغسيل الذي ما عادت حبال العالم تكفي له..هل قلت بين نفسك ونفسك: من وراء هذه المهاترات؟ ومن وراء هذه الفضائيات؟ وما جدواها في المرحلة الراهنة؟ وربما تسأل نفسك: من وراء هذا المعتوه المأزوم؟ ومن وراء هذا القلم الذي لا يتوقف عن صيد الصغيرة فقط  لأن الكبيرة تركها للآخرين الذين جمدوها في ثلاجات العولمة والجري وراء التمذهب ومحاولات تجديد الأدب وتحديث الحداثة..
أدعوك مرة أخرى لقراءة الأبراج والإعلانات وحوادث الاختلاسات علَّها ترفع عن كاهلك ركام الغم فيرتاح بالك وتهرب من وساوسي وأوهامي وألغازي..ولكن أنصحك ألاَّ تتكلم كثيراً في الأمور الجادة والمشاريع التي تنوي القيام بها ولا تقل فكرة أمام من تعلموا سياسة الصمت والشراء فقط لأنك ستجدها في مكان آخر يتداولونها ويستعرضون عضلاتهم الدهنية الهشة إلاَّ من الزيف والاختلاس.. سامحهم الله..
حاول آلاَّ تتصل بي وألا تحرجني باستفساراتك وأسئلتك لأنني لا أعني أحداً باسمه أو شخصه وإني قد أكون معنياً كغيري، ولك الخيارُ أن تسأل نفسك وتضعها على بساط التجريب والاختبار ولن تخسر سوى سوءاتك ومن ثم تربح ذاتك وكيانك وتكسب الثقة بالنفس..إنها دعوة مجانية ولكنها تحتاج لفارس ورجل تحلى بأخلاق الفرسان.













عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية