طرح Osborne وGaebler مفهوم إعادة اختراع الإدارة الحكومية في أوائل تسعينيات القرن المنصرم، وقدما نموذجًا لدور الإدارة الحكومية؛ بحيث تكون: حكومة إنجاز مهام تركز على النتائج وليس القواعد، وحكومة مشروعات (حيث يكون الكسب أكثر من الإنفاق)، وحكومة حافزة تركز على التوجيه أكثر من التنفيذ، وحكومة تعمل بأسلوب الوقاية بدلاً من العلاج، وحكومة تنافسية تدخل المنافسة في تقديم الخدمات، وحكومة تضع الميزانية على أساس الأداء، وحكومة تتجه نحو التجديد والابتكار. ثم قدم Osborne مع زميله Plastric مفهومًا آخر يدعم مفهوم إعادة الاختراع وهو مفهوم "التخلص من البيروقراطية"؛ حيث كان منطقهم هو ضرورة تغيير العنصر الوراثي DNA للنظام وهو يشمل الهدف الذي يسعى وراءه أي نظام إداري ونظمه الخاصة بالمسؤولية وهيكل سلطاته وثقافة النظام. ذلك أنه تكمن وراء تعقد النظم الحكومية بعض الفعاليات الأساسية القليلة التي تجعل المؤسسات العامة تعمل بالطريقة التي تعمل بها، وأن هذه الفعاليات قد أرسيت منذ زمن طويل لخلق أنماط بيروقراطية للتفكير والسلوك، وأن تغيير الفعاليات -أي إعادة كتابة الشفرة الوراثية- يؤدي إلى التغيير الذي يتم عبر النظام بأكمله.
وحدد Osborne وPlastric عدة وسائل لتحقيق فعالية التغيير في أداء الإدارة الحكومية، وقسماها إلى خمس إستراتيجيات أساسية، وهي كما يأتي: أولاً: الإستراتيجية الجوهرية، وهي التي تعني تغيير الجزء الأول الحاسم من العنصر الوراثي وهو هدف النظم والمؤسسات العامة، وجعل الوظيفة الأساسية لهذه المؤسسات هي التوجيه وذلك بعد فصل التوجيه عن التنفيذ وترك الأخير للقطاع الخاص. وتؤكد هذه الإستراتيجية على وضوح الهدف الجديد ووضوح الدور ووضوح الاتجاه.
ثانيًا: إستراتيجية النتائج وهي تُعنى بالجزء الثاني الأساسي من العنصر الوراثي؛ الحوافز التي تدعم النظم العامة. فالعنصر الوراثي للبيروقراطية يمنح الموظفين حوافز قوية لاتباع القواعد واستمرار الانصياع للأوامر والتجديد لا يأتي إلا بالمتاعب، بينما بقاء الوضع على ما هو عليه يأتي بالمكافآت المطردة. ومن ثم تتحدث هذه الإستراتيجية عن ضرورة إعادة كتابة الشفرة الوراثية لتغيير هذه الحوافز من خلال خلق نتائج للأداء، وعن وضع المؤسسات العامة في السوق وجعلها تعتمد على عملائها للعائدات وخلق المنافسة بين المؤسسات العامة والمؤسسات الخاصة أو بين المؤسسات العامة بعضها بعضًا.
ثالثًا: إستراتيجية العميل؛ وهي تركز على الجزء الأساسي الآتي من نظام العنصر الوراثي والذي يتعلق بالمسؤولية، فأمام من تكون المؤسسات مسؤولة؟ تعتبر الكيانات العامة مسؤولة أمام مسؤوليها المنتخبين الذين يقيمونها ويحددون وظائفها ويقومون بتمويلها. وتحسّبًا لانتشار مفاسد السياسيين وإساءة استعمال سلطاتهم، أقام أنصار نموذج البيروقراطية منذ أمد بعيد نظام خدمة مدنية مهنية لإبعاد الجهات الإدارية عن النفوذ السياسي، وهكذا أصبح المدراء والموظفون مسؤولين عن اتباع قواعد الخدمة المدنية وعن اتفاق اعتماداتهم على النحو الذي يحدده المسؤولون المنتخبون. وتخرج إستراتيجية العميل عن هذا النمط بنقل جزء من المسؤولية إلى العميل، فهي تعطي حرية الاختيار بين مؤسسات تقديم الخدمة وتحدد معايير خدمة العميل التي ينبغي أن تلتزم بها هذه المؤسسات. ولا تدل إستراتيجية العميل على أن دور العميل بديل عن دور المواطن فكلا الدورين هامان، فالمواطنون يدلون بأصواتهم مما يؤثر على السياسات التي يحددها ممثلوهم ثم تقوم المؤسسات العامة عندئذ بتنفيذ هذه السياسات. ولكن المواطنين في النظم البيروقراطية ليس أمامهم سبيل عملي لمحاسبة هذه المؤسسات على أدائها، أو حتى لتزويدها بتغذية مرجعية عن أدائها ولكن إستراتيجية العميل تضعها في حلقة التغذية المرجعية.
رابعًا: إستراتيجية الرقابة وهي تحدد الجزء الرابع الحاسم من العنصر الوراثي وهو مكان سلطة اتخاذ القرارات. ففي النظم البيروقراطية، تبقى معظم السلطة بالقرب من قمة الهرم المتسلسل، وفي النظم الديمقراطية، تنساب السلطة أولاً من المواطنين إلى المسؤولين المنتخبين ثم من المسؤولين المنتخبين إلى الإدارات المركزية للعاملين، ثم تنتقل في النهاية من هذه الإدارات الرقابية المركزية إلى مديري التنفيذ. وإذا كان المسؤولون المنتخبون يحتفظون على نحو نمطي بأكبر قدر ممكن من السلطة في أيديهم، فإن هيئات الرقابة المركزية تقوم بمراقبة سلطاتهم على نحو أكثر يقظة. وتدفع إستراتيجية الرقابة سلطة صنع القرارات الهامة إلى أسفل من خلال التسلسل الهرمي، وتدفعها أحيانا إلى الخارج تجاه المجتمع.
خامسًا: إستراتيجية الثقافة وهي التي تحدد الجزء الحاسم الأخير من العنصر المؤسسي؛ ثقافة المؤسسات العامة من القيم والمبادئ والاتجاهات وتوقعات الموظفين، وتتشكل الثقافة من سائر أقسام العنصر الوراثي: أي بالهدف الذي تسعى وراءه المؤسسة وحوافزها ونظامها الخاص بالمسؤولية وهيكل سلطاتها، وعند تغيير هذه العناصر تتغير الثقافة. ومع ذلك، تعمل إستراتيجية الثقافة على إعادة تشكيل الثقافة من خلال كسر العادات والتأثير في القلوب وكسب العقول. وتعمل الإستراتيجيات الخمس بطريقة مختلفة تمامًا في المؤسسات السياسية عنها في المؤسسات الخدمية، فعند تطبيق إستراتيجية العميل، تختلف طبيعة العميل من مؤسسة إلى أخرى، ولكن لا يغير أي من هذه الفوارق الفعاليات الأساسية التي تصنع التغيير الأساسي اللازم لعنصر وراثي جديد.
التدقيق اللغوي لهذه المقالة: هبة البشير