عندما نترك بعض الأشياء ونهاجر من الأماكن ونعتزل الأعمال، أو عندما نبتعد عن أناس قريبين منا فهذا لا يعني أننا نكرههم أو مللنا عِشرتهم، أو لا نكنّ لهم في دواخلنا مشاعر الحب والولاء، بل أحيانا يكون الأمر عكسيًّا تمامًا، فمن شدة حبك وتعلّقك بأمر ما صدفة تقرر تركه من باب التغيير ومعايشة التجديد. بالطبع لا أعني بذلك الروابط الإنسانية التي مهما طال الزمان أو قصر يجب أن تتعمق وتزداد محبة وإخاء، لكن حديثي عن الأنشطة والأعمال والعلاقات العملية مع مجموعات ومؤسسات.
كلما نسمع من شخص أنه ترك مجموعة كان يعمل معها أو انفصل عنها، فأول سؤال يبادر إلى أذهاننا: عسى ما شر.. ليش؟ زعلت منهم؟ أو اختلفت معهم؟ ويتوجه العقل بشكل مباشر إلى التحليل السلبي لهذا الابتعاد غير المتوقع، فقد اعتاد مجتمعنا إلى غرس مفهوم (إن لم أكن معك فأنا ضدك أو خصمك)، وهذا مفهوم خطير يقلل من شأن التطوير وتدفق دماء التجديد في عروق الفِرق وشرايين المجموعات، ولهذا أحيانا بل يجب أن يكون غالبًا على المرء أن لا يبخل عن ترك مكانته أو مهامه لإعطاء المجال للآخرين أن يبدعوا ويتألقوا، وقبل ذلك أن يعطي لنفسه فرصة ذهبية لينتقل إلى عوالم أخرى ومسؤوليات أعظم، فالثابت الوحيد في الوجود هو التغيير الذي يحرك عجلة التنمية.
كل هذه المقدمات لأقول لنفسي أولًا ولكم قرائي الأعزاء: وداعًا أيتها الجامعية، وداعًا يا مجلة التي تشرفت بإدارة تحريرها سنوات طويلة، وداعًا يا من انضممت لصفحاتها في عام 2000 وأنا لازلت طالبة على مقاعد الجامعة، وداعًا يا من تعودت على صبغات حبرها ورائحة طباعتها وتصاميم أوراقها، وداعًا يا من سهرت الليالي لجمع موادها وخاطبت الكثيرين للانضمام إلى أسرتها، وداعًا يا من جعلتها أميرة تتهافت عليها شركات الإعلان للفوز بعقدها، وداعًا يا مطبوعة طلابية حدودها جامعية وغارت منها المجلات العريقة في الأسواق المحلية، وداعًا يا مجلة تحداها الكبار من الأساتذة وراهنوا على عدم استمرارها فأثبتت جدارتها وظلت صامدة، وداعًا أيتها المجلة التي لقبني البعض بـ(أمها) فعاملتها فعلا كـ(ابنتي).
لنبتعد عن المشاعر قليلًا ولكي لا أذرف الدموع وأدمر الكلمات، فلابد أن أعترف أنه حتى لحظة كتابة هذه المقالة ولا أحد يعلم بقرار الاستقالة هذه، ورأيت أنها الطريقة المثلى بعد أن تم رفض استقالتي الشفهية مرتين من قبل إدارة الاتحاد الوطني لطلبة الكويت في السنوات الماضية، وأنا على يقين بأنهم سيتقبلون هذا الأمر بالرحب والسعة الآن، فقد آن الأوان بالنسبة لي للابتعاد عن الأعمال الطلابية رغم قربي من الساحة الجامعية، وأعتز وأفتخر بعلاقتي الطيبة مع الاتحادات الطلابية والقوائم والجمعيات وكذلك الإدارات الجامعية، والتي تضيف إليّ الكثير في رصيد علاقاتي، فمنذ أن دخلت الأعمال التطوعية والأنشطة وأنا أميل لكل ما هو قريب من شريحة طلبة الجامعة، حتى وجدت نفسي وبعد التخرج والولوج في المعترك الوظيفي إلا أن لي مساهمات وقفشات طلابية ومع الجامعات بشكل خاص.
استمتعت في إدارة هذه المجلة -الجامعية- كما تشرفت بالاحتكاك والعمل مع نائبات رئيس الاتحاد واللاتي كنّ رئيسات تحرير هذه المجلة، لكل واحدة منهن ذكريات جميلة، حظيت بفضل الله وكرمه بأسرة تحرير في منتهى الروعة من أخوات مبدعات ومتعاونات، لكل واحدة منهن بصمة مميزة تركتها في ذاكرتي وكذلك على صفحات المجلة تشهدها الأيام، وسأبقى على استعداد دائم لأي استشار أو طلب وتعاون.
لن أتحدث الآن عن ما تعلمته من مجلة الجامعية؛ لأن هذه الدروس قد تحتاج لصفحات ومقالات فما تعلمت منها لا يذكر بسطور قليلة، وقد أدون ذلك في مكان آخر ومناسبات أخرى.
أما الآن فسأقول فقط : وداعًا مع تمنياتي القلبية للمجلة وفريق عملها بدوام التقدم والازدهار.
التدقيق اللغوي لهذه المقالة: هبة البشير