يكفي أن تتابعه مرة واحدة فينشرح له قلبك وتقع في حبه،ويجذبك حديثه الراقي وكلامه العذب، وتؤثر فيك ابتسامته الدائمة وأناقته الفخمة، إمام وعالم رباني يشع من وجهه نور من الإيمان والتقوى {سيماهم في وجوههم} داعية إلى الله باعتدال وتوازن لا يخاف في الله لومة لائم {الذين يبلِّغون رسالات الله ويخشَوْنه ولا يخشَوْن أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبًا} إنه الداعية الكبير والكاتب الأنيق الفخم والعالم الرباني العامل الشيخ عبد الرحمن شيبان، إمام تبوّأ عرش القلوب وأثنى على فضله كل فمّ.

شيبان.. إيه يا شيخ شيبان، شجرة مباركة طلعها طلع أنيق جميل، ونفعها نفع كثير وكبير، شيبان: إبراهيميّ عصره، تعلمت من علمه، وفهمت من فهمه، وشاركته همه، وأصابني نفعه، ونورت كلماته طريقي صحبتكم فازددت نورًا وبهجةً ومن يصحب الطيب المعطر يعبق، شيبان ذلك الرجل الذي عرفته فيما مضى، أديبًا وفقيهًا وأستاذًا مربيًّا وكاتبًا أنيقًا يتأنق في العبارة ويتألق في الأسلوب ويصيب في المضمون، ويسقي كالغيث كل الناس، أنارت معارفه كل أفق كغيث سقى كل أرض وعم فكر ثاقب وفهم عالٍ ونظر صائب وذهن وقّاد، هذا هو الشيبان أول ما عرفته كاتبًا في جريدة البصائر، من خلال كتاباته الأنيقة الفخمة ومواقفه الشهمة العظيمة، وشاء الله فيما بعد أن أتتلمذ على يديه ولكن عن بعد، أتتلمذ على توجيهاته ونصائحه وكتاباته وأخلاقه، فأخذت منه العلم والخلق والأدب مع القيم.

أنا لم أزر يومًا الشيخ شيبان ولم ألتقي به في حياتي، ولكن ربطني به ما هو فوق ذلك، إنها رابطة الإسلام والعروبة والجزائر، رابطة الابن مع الأب، فشرف لي أن أكون أحد أبنائه البررة ويكون أبًا روحيّا لي. شيبان مميز بالنسبة إلي، وأدين له بالكثير من الفضل والعرفان، أهدي لمجلسه الكريم وإنما أهدي له ما حزت من نعمائه كالبحر يُمطره السحاب وما له فضل عليه لأنه من مائه.

رحل عنا الشيخ شيبان، مات الشيخ شيبان، ولكنه ما زال في قلوبنا حيّا يعيش بيننا بفكره الثاقب وأثره الطيب حتى قال أحد الإخوة: "لا تصدقوا من يقول أن شيبان يتقاعد يومًا" وأنا أقول: "لا تصدقوا من يقول أن شيبان مـات".

لا تقل يا ناعي الأحرار ماتا * لم يمت من علمنا الحياة

وقد رأيت في شخصية الشيبان شخصية متكاملة جمعت بين أوصاف عديدة وفضائل كثيرة:

تكاملت فيك أوصاف خصصت بها *  فكلنا بك مسـرور ومغتبط
السن ضـاحكة والكف مانحة * والصدر متسع والوجه منبسط

فكان ذلك هو السر المكنون في شخصيته العظيمة سر جمع بين العلم والعمل به، بين الخلق والتخلق بهذا الخلق، بين الدعوة والتقيد بهذه الدعوة، فقد تفرد بالفضائل واصطفاها، وجمع حسن الشمائل وحواها، وقرأ دروس المجد والعزة فوعاها. شيبانُ! يا بانِيَ الأمجادِ في وطني رعاكَ ربُك يا شيبانُ من بانٍ، جمع بين الخصوم وقرب بين الأعداء وتوسط للصلح، فكان بحق إمامًا عادلًا وعالمًا عاملًا وأستاذًا مربيًّا دائما ما يقع الإجماع عليه من مختلف الأطياف والأحزاب والأركان، وهذا ما دلت عليه جنازته –رحمه الله-.

يا شيخي شيبان لا زلت أستاذي الذي أهبّ إليه كلما أردت أن أتنفس الإسلام، العلم، الأخلاق، الفضائل، العروبة والوطنية، أعلم علمًا يقينًا أنني لن أحس في يوم من الأيام أنك غائب عني، فأنت لا زلت وستزال شامخًا حيًّا في قلبي وطيفك لن يفارقني، وكلماتك ستبقى تلهمني وتدلني على الطريق كلما تعثرت، و إن طلبت دليلًا فالفتى عبد الرحمن خير مثال تحتذي الأمم، اللهم إني أشهدك أني أحب عبدك عبد الرحمن شيبان –رحمه الله– لأنني وجدت فيه كما وجد الجزائريون الإمام العادل العامل و كانت عباءته الجميلة تسع كل الجزائريين، فأحبه الجزائريون خاصتهم وعامتهم، إناثًا وذكرانا، شيبًا وشبّانا؛ لأنهم وجدوا فيه ما تهوى أنفسهم في العالم: تواضع من غير ذلة، وسمو في غير استعلاء، وعزة في غير تكبر، ولطف في غير ميوعة، ونصح لخاصة المسلمين وعامتهم في غير تملق، وإرشاد لهم في غير طمع." ¹

قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي * فقمت أنشد أشواقي وألطافي
لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا * فهو الغفور لزلاتي وإسرافي
عفوا لك الله قد أحببت طلعتكم * لأنها ذكرتني سير أسلافي

للشيخ عبد الرحمن شيبان مكانة كبيرة في القلب ومساحة واسعة في العقل فقد كان –رحمه الله – المنهل الذي أستقي منه المنهج والطريق التي أسير عليها، وكلما رأيت طلعته البهية ذكرني بأسلافنا: ابن باديس، الإبراهيمي، سحنون. شيبان الذي كان يتدفق حياة و يتوثب نشاطًا مات، هذا الذي كان له في كل ميدان جولة و في كل منبر كلمة و في كل ملتقى إبداع، فجمع بين الأدب والإصلاح، وبين السياسة والصحافة، وبين التعليم والتأليف، وبين الفقه والتيسير. هذا الذي أبى إلا أن يكون الإسلام دين دولته، والعربية لغته الأم، والجزائر حبه وشغفه، والجمعية محبوبته وجهاده ،وفلسطين قضيته.

لقد عرفت الجزائر شيبان وعرفها وبقي وفيّا لها مدافعا عنها، يحملها في قلبه دائما و لاتغادر خاطره، فهي المحبوبة والمعشوقة الأولى وكما يقال: "ما الحب إلا للمحبوب الأول" عاش ومات على ثلاثيته المقدسة (الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا) فهنيئا لك الشهادة، فقد جاهدت بقلمك ولسانك من أجل أن تعلو راية الإسلام وتخلد العربية وتعيش الجزائر، هنيئًا لك ياوالدي الجنة، هنيئًا لك يا أبا الأجيال.

اللهم إنا نسألك أن تلحق –شيبان – وتلحقنا جميعًا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- في جنة الفردوس. إيه يا والدي الكريم سلام يتلقاك من أعالي الجنان، رحمك الله يا والدنا وقدس روحك.

 

ــــ ¹ كلمات قالها الشيخ عبد الرحمن شيبان في الشيخ محمد الغزالي.

 

 

التدقيق اللغوي لهذه المقالة: هبة البشير

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية