Esref Armagan هو رسام تركي ضرير لم تتشكل عيناه خلال المرحلة الجنينية، وهو فنان بقدرات خارقة، وهبه الله إحدى عشرة عينًا، تتمثل في عشرة أصابع، وعقل يتخيل الأشكال والألوان في الطبيعة. حيّرَ هذا الرجل الأطباء والعلماء! وتساءلوا كثيرًا، كيف لرجل أن يرسم شيئًا لم يره في حياته أبدًا؟ وخاصة بعد أن تأكدوا بأن بصره لم ينضج مطلقًا بعد فحصه، وأن مخه لا يحس بالضوء!
ولكن أجاب أشرف عن هذا التساؤل في لقاء له مع قناة العربية، عبرَ برنامج محطات، حيثُ قال أشرف: "إن وراء رعاية هذه الموهبة التي ميزني الله تعالى بها عملاقان هما: أمي وأبي، حيثُ كنت منذُ الصغر أسأل والدي ووالدتي عن أشياء كثيرة أريد أن أعرفها وأتخيلها بعقلي. كان أبي رجلًا حكيمًا وصبورًا، يجيبني عن كل أسئلتي. وكان يحفر لي على ألواح الخشب ويجعلني أتحسسه بأطراف أصابعي الصغيرة، التي كانت بدورها تعكس لي صور الأشياء من على ألواح الخشب وأرسمها في مخيلتي، هكذا حتى أصبحت أبصر الأشياء، وساعدتني أمي في معرفة الألوان وتمييزها."
لقد سبق لي أن تحدثت عن أهمية صبر الوالدين في رعاية مواهب طفلهما، وأن هذا الصبر من شأنه أن يجعل من طفلكم أو طفلتكم في مصاف المشهورين يومًا ما، فأي سعادة ستشعرون بها ذلك اليوم وابنكم أو ابنتكم يصفكم بالعمالقة، ويدعو لكم بالخير طوال حياته؟ ولن نبحث طويلًا في تاريخ الصبر، فرسولنا الكريم -عليه أفضل الصلاة والسلام- كان قدوة لنا في الصبر والكفاح والمثابرة. والحديث طويلًا في هذا المجال، وواحدنا قد يعرف قصة أو أكثر عن صبر هذا الرسول الكريم.
فأي صبر وأي حكمة هذه التي حولت هذا الطفل الضرير إلى فنان مشهور؟
يمكنكم مشاهدة فيديو عنه على هذا الرابط: www.youtub.com/watch?V=CXF6aLIG4qw
وصبر الأسرة في مجال تربية الأبناء ليس وليد اليوم، فهذه أسرة (بني موسى بن شاكر)، عاشت في القرن الثالث الهجري، ولها ثلاثة أولاد (محمد-أحمد–الحسن) أبوهم يعمل في بلاط الخليفة المأمون، اتخذ قرارًا لأن يصرف وقته ووقت أولاده في التعليم. فكانت المخرجات: تأليف كتاب الحيل (الميكانيكا) ألفته الأسرة كلها: الأم والأب والأولاد، وهو الآن يُعد مرجعًا هامًّا في جامعة أكسفورد، واستفاد منه علماء الغرب لأكثر من 20 فكرة ميكانيكية.
وأسرة (بني قرة) زمن الدولة الأموية، حيثُ كان (ثابت بن قرة) رب الأسرة، شغل فكره وعقله وصرف وقته مع أسرته في: (كيف يجعل من دولته قوية ومن الإسلام قويًّا ومنتشرًا) حتى وضع خطة من هدفين:
الأول: تحصيل العلم إلى درجة الإتقان.
الثاني: إجادة لغات الأمم الأخرى بالإضافة إلى العربية.
رُزق هذا الرجل الحكيم (ثابت بن قرة) بولد أسماه: (سنان) وتربى على الهدفين حتى مَهُرَ في: الحساب،والرياضيات، والطب، فكان له شأنًا عظيمًا. وتمر الأيام على هذه الأسرة، ويُرزق سنان بولد أسماه: (ثابت بن سنان)، والحفيد صار طبيبًا حاذقًا في بغداد. كما وبرعت هذه الأسرة في الترجمة حتى صار لها شأن كبير في الدولة الأموية، وكان أفضل وأمهر الأطباء من أسرة (ثابت بن قرة).
إذن نحن علينا المسؤولية في اختيار الأهداف، التي نتمنى تحقيقها في مجال تميز الأبناء، ومن ثم الصبر على تحقيق هذه الأهداف. قال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} صدق الله العظيم.
المصادر:
1- برنامج الأسرة السعيدة، الدكتور جاسم المطوع، بتاريخ: 19/2/2009م.
التدقيق اللغوي لهذه المقالة: هبة البشير