هيَ ملعب للأولاد، ومأوى للعصافير، وحائط للتعبير للفتيان وللفتيات.
وجذعها ضخمٌ يتوارى خلفه الصيادون، وأغصانها وارفة يتفيأ تحتها الرعاة.
وفي أحد الأيام، كنت ألعب مع إخوتي، وأولاد جيراني، تسلقناها وقسمناها فيما بيننا. وكان في جهتنا عش عصافير، فيه عصافير صغيرة أصواتها خافتَة، ولا تنفك تغرد وكأنها تنادي أمها.
أخذ كل واحد منا عصفورًا، وكنا ثلاثة، وما نزلنا حتى سمعنا نواح عصفورة تنفش ريشها وتحط وتطير بصورة هستيرية تبحث عن فراخها.
ولما قررنا أن نعيد لها العصافير، وقع الاختيار علي لأعيدها إلى عشها، وصعدت محاولة ارجاعها، هاجمتني، ونقرتني، وأدبتني، ومنذ ذلك الحين وأنا أخاف التسلق، وأخاف أن أحمل بيدي ولو عصفورًا صغيرًا.
ولما رجعت الى الضيعة، ذهبت لأرى صنوبرتنا القديمة. حزنت لأنني لم أجدها، وكان مكانها كومة حطب وأغصان.
لم أنتحب لموت إنسان، ولم أصرخ لفقدان مخلوق، ولكن صعقت؛ لأنني فقدت صنوبرة عظيمة كانت تتحمل حماقاتنا وتجريحاتنا ورسوماتنا.
حقًّا، إنك ظالم أيها الحطاب! لو تعلم كم من السنين يلزمنا ليصبح عندنا صنوبرة تشبهها، وليست مثلها.
من أجل ماذا أيها الانسان؟ من أجل المال؟ أو التدفئة؟ أو الاستمتاع بنفَس نارجيلة؟ أو شواء لحم؟ أم ماذا؟
ظالمٌ من ينتهك حرمة الطبيعة، ويتلاعب بمصير الهواء! أولا تعلمون أن الشجر مصفاة للهواء ومنتج للأوكسجين؟
عرفت لماذا لا نتنفس مثل أيامِ زمان، ولا ننعم بالهواء المنعش؛ لأننا -وبخجل- نقضي على الشجر!
يعي الحطاب ماذا فعل فأسه ومنشاره لهذه الحياة!
التدقيق اللغوي لهذه المقالة: أفنان الصالح