حتما نحتاج إلى وقت كي نستوعب المشهد كله، المشهد الذي أظهر نوابا برلمانيين أوكرانيين يتعاركون بالأيدي و يتقاذفون الشتائم و أين؟ داخل و تحت قبة البرلمان الأوكراني. حتما الكل استغرب من هكذا تصرف يأتي من برلماني مثقف و عصري. و الكل استغرب و بشدة لما سمع سبب العراك. السبب الذي يرجع إلى محاولة البرلمان سن قانون يُرّسم اللغة الروسية كلغة رسمية للبلاد.
الوطنية يدعيها أي واحد و ينتسب إليها حتى الخونة و العملاء و لكن البعض القليل من تمشي في عروقه الوطنية و تعيش فيه. الوطنية ليست مجرد تسميات و ألقاب و مظاهر، الوطنية أفعال و مواقف، الوطنية أن تدافع عن ثلاثية الوطن ( الأرض، الدين، اللغة ) بكل ما أتاك الله من قوة.
في الجزائر الكثيرون ينتسبون إلى الوطنية و لكن وطنية بدون عربية و هنالك من يذهب أبعد من كل هذا و يقول: بدون إسلام. فبربكم هل سيبقى للجزائر شيء من دون إسلامها و عروبتها و أرضها. ألن تصبح مجرد جزائر الواق واق.
و أي وطنية هذه التي يدعيها البعض؟ و ماذا فعل هذا " الوطني" ليحمي لغته من الانقراض أو بالأحرى جزائره من الانقراض؟ هل تعارك و ناضل من أجل الحفاظ على الهوية الجزائرية ( اللغة و الدين) أم أنّه ساهم بوطنيته هذه في مسخ الجزائر و إبعادها عن لغتها و دينها؟ حتى أصبحت الجزائر لا هي إسلامية و لا هي نصرانية و لا هي علمانية، و لا نعرف أهي أعجمية أم عربية أم أنها خليط للغات عديدة.؟ حتى قال عنا أحد الإسبان لما زار الجزائر:{ لا أدري بأية لغة أخاطبكم، بالعربية أم بالفرنسية، لأنني لا أدري لأي الألسنة تنتسبون}.
الوطنية الحقة ليست لباسا، تنتعلها صباحا لتضحك بها على الشعب و تنتزعها مساءاً، و ليس كل من ينتسب إلى الوطنية يصبح "وطنيا". فباسم الوطنية شوّهت الجزائر و مسخت ، و باسم الوطنية قال أحدهم و الذي كان عضو برلماني: الدين الإسلامي أفيون للشعب الجزائري و باسم الوطنية اعتبرت اللغة العربية من طرف مسئول كبير لغة ميتة، على الشعب الجزائري أن يطرحها جانبا لأنّها في حكم اللغات المنقرضة و انّها أخطر من الاستعمار الفرنسي. و باسم الوطنية وصل هؤلاء إلى مناصب سيادية كبيرة.
لعل أنّ مشهد النواب الأوكرانيين و هم يدافعون عن لغتهم و هويتهم أحق بأن يوصفوا بالوطنية، أمّا أن نصف كل من يدعي الوطنية و ينتسب إليها بالوطني فهذا إجرام في الوطنية و في الوطن.
لكم أن تستمعوا إلى وزرائنا و مسؤولينا و هم يتحدثون باسمنا في المحافل الدولية بغير لغتنا و بلغة مستعمرنا و عدونا، و لكم أن تتعجبوا و بشدة من هؤلاء المسؤولين الذي يخاطبون الشعب بغير لغته و بلغة لا يفهمها أغلبه. و لكم أن تتجولوا في شوارع الجزائر المفرنسة و لافتاته الفرنسية..
نواب البرلمان الجزائري يتعاركون على الثلاثين مليون سنتيم و السيارات الفاخرة و الفيلات الراقية و المصالح الشخصية، و ما همهم الوطنية و لا العربية ولا الإسلامية. و أكثرهم لا يرى في العربية إلاّ أنها خبر كان، ينصب المجرور و يرفع المنصوب و يجر المرفوع، فيمطر علينا العذاب المبين لما يتكلم باللغة العربية. و الفرق شاسع بين الوطني و من يدعي الوطنية كالذي بين السماء و الأرض.
عندنا في الجزائر تسمية خاصة نطلقها على الذين يخدمون فرنسا و يسعون إلى تبعية الجزائر لفرنسا في كل المجالات و التسمية هي: حزب فرنسا أو: بني وي وي ( oui- oui )، و قد سجل الرحالة الألماني فون مالتسن عندما زار الجزائر في منتصف القرن التاسع عشر أن الجزائريين يرددون في أحاديثهم أنّ فرنسا لا تختار جزائريا لخدمتها إلاّ إذا اجتمعت فيه ثلاث صفات هي: { حرامي، سامط، مكروه }.
فمتى تعود الجزائر إلى أبناء باديس و تتحرر من أبناء باريس و بني وي وي و حزب فرنسا؟ و تعود إلى هويتها الأمازيغية العربية الإسلامية الجزائرية الخالصة.