قد يتخذ أحد الإنشاء غاية فيقلب الكلمة ويلونها ويلصق بها ويزيد عليها ليهيم في فلسفة تفاسير لها بعدد ذرات حبرها وما تجذبه من أحبار، القوة كلمة تنتفض للَمعان ظاهرها وأبطال أساطيرها وشروحاتها الرقاب والحناجر والأقلام انتفاض المريض المصروع. لكن التاريخ والتجربة والصواب علمونا أن القوة الصحيحة تدوم معك لا يسلبها أحد إلا إن أردت أنت. ابن النبي نوح غرق هاربًا، وعظيم الثراء قارون خسف به، وهتلر ذو الجيوش والعتاد انتحر مختبأ، وإلفس المشهور المحبوب أدمن المخدرات فقتلته. يخطيء من يقول عن أسباب منفصلة عنه إنها قوته، وإن قال وظهر أنه يفعل بها ما يشاء فسيظل يفعل "بما سواه" لا يفعل "هو بنفسه"، ومهما اطمأن إليها فسيتركها إلى حجيرة مظلمة منفردًا. ليس من قوة يحق للمرء الاعتزاز بامتلاكها إلا قوة لا تحوجه إلى من يعرّفه ويقدمه بها إلى غيره ليحفل به ولا إلى التصاقه بها ليثبت مكانته، قوة نابعة منه يحيا ويموت بها عزيزًا مرتاحًا مكتفيًا، لا يتعلق بما لا فضل له فيه كإسم وإرث ونسب ولا يبالي بمنفصل عنه من مال وبشر وأملاك.
إذا استكبر امرؤ واختال فخورًا بأرقام وأحجام وأشكال وأصوات وعدة وعتاد فلينتبه لئلا يكون مع "كل عتل جواظ مستكبر" ظانًا أنه مطلق القدرة والتمكن، وهو في حقيقته يمتطي سرابًا ينتهي إلى النار كما أخبر سيدي عليه الصلاة والسلام الذي بين القوة الحقة بقوله: "رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرّه"، القوة المتصلة المتأصلة التي تفجر فيك الوعي والثقة والاستغناء والارتقاء والحكمة والطمأنينة، فتقبل عليك الأسباب لا تركض أنت وراءها.
إنها قوة الإيمان بالباقي الذي بيده كل شيء - جل شأنه - لا بيد ما سواه الفاني.