ما هي إلا أشهر بعد زواجنا حتى هجمت ظلمات الباطن تريد إسكات لساني عن أيِّ ذكرٍ طيبٍ لك، وليجاري غيري ساخرًا منك ضاحكًا كالأبله! زوابع كامنة كادت ترضخني لأراعي صحتي ومالي وعلمي ورفاهيتي منتظرًا منك تحقيق ذلك لي. حفظتُ ألا أسمح لك بمتابعة أية مصلحة لك، فلا مصلحة لك إلا مني! وحفظتُ أن عثراتي بسببك وأن نجاحي بسببي، وأن أحصي هفواتك ومحاسن غيرك. حفظْتُ وحفظتُ... كشريط جامد، فبئس ما حفظتُ ويا لغفلة من دسوا!

عزيزتي، أوشكتُ أن أقترف ما ذكرتُه، وما شلّ فطرتي وسوّد دخيلتي، كاد أن يخنق عواطفنا ويعطل عيشتنا ويعكر أيامنا لولا قبسات مودة ورحمة ونبضات عدل وكرامة هزمتْ جهالةَ التّلقّي وذُل الإمّعية، فأحرقتْ هذيانًا سالفًا تالفًا قبل أن يسيطر، وانتبهتُ لأحيا معك وبك. حررتُ مشاعري من أقبية باطلة قديمة ففاضتْ تهذب جوارحي. عرفتُ معاني السكن ومستودع السر ومنطلق السعادة، وأن حقيقة الحياة هي أن يعطي الانسان ويعبر ويصغي ويتأدب قبل أن ينتزع ويتهم ويصيح ويتمرد ويحيل غيره آلات يشغِّلها كما يريد.

صاحبتي، كدت أخوض في الأوهام مع الخائضين: أنني لا أخطيء وأنك لا تصيبين، وأنْ أشير فتلبّين، وألا أُعينك على الاستغناء بمالك وأُبقيك تنتظرين قطيرات أستعبدك بها وأمنّ عليك! ما أعجب وأسخف النزاعات لينقذ فلانٌ أسيرةً تَهُمُّه عند فلان، متناسيًا التي عنده! أيُّ جهالة وحمق وفراغ! أمراضٌ يبثُّ حاملوها فيمن حولهم أنَّ مثلكِ واجب عليها إصلاحَ كلِّ عيب في مثلي، مستسلمةً لتجارب يتعلّم بها مثلي كلَّ ما عجزوا عن تعليمه! شهدتُ وتعلّمتُ ما أبقى في ضميري حركةً لم تهدأ حتى أيقظتني. وذكرياتٍ جميلة صنعناها معًا، وأنفاسٍ غالية أنت ولدتِها، سهرنا وعشنا وابتسمنا معها، فلنكن قدواتٍ صالحة نصنع لها ذكريات طيبة بعد أن يفرق الموت وحده بيننا. غاياتٌ وآمالٌ ما كانت لتتحقق لنا ولهم لو لم ننبُذ مراقبة المخلوق السقيم ونراقب الخالق العظيم.

زوجي الغالية، إن ارتفعتْ فينا مرة ذرةٌ باقيةٌ من رماد الهذيان فلنصفحْ، ولنتعاونْ على أن نسكب عليه إسلامًا وسلامًا واستسلامًا للحق والعدل والحب؛ ليستنبت ريحانًا وثمارًا واستغناء. ولست أنسى صبرك فلك أرق الشكر وأطيب الدعاء.

----------

 

التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي.

 

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية