"خالد" طالب في "الصف السادس" من المرحلة الابتدائية، حَسَنُ التربية، مجتهد في دراسته. عاش في هذه المرحلة حياة مستقرة، يملؤها براءة الطفولة ومشاكسات الصغار، ما بين تربية، وتعليم، ولعب؛ قضى "خالد" السنوات الست في مدرسةٍ يشعر بالأمان والاطمئنان فيها، لمعرفته التامة بمدرسيه وبالمرشد الطلابي للمدرسة.
غير أن هذه المرحلة لا تخلو من بعض السلوكيات الخاطئة، من بعض الطلبة الذين فقدوا التربية السوية، ولكن ما إن يحصل لـ"خالد" موقف سلوكي خاطئ في هذه المرحلة، فإنه يتوجه مباشرة لمرشده الطلابي أو لأحد معلميه الذين قضى معهم سنوات طويلة، فيشتكي ما حصل له، فيبادر المرشد أو المعلم باحتواء الموقف، ومحاسبة المخطئ ومعالجة السلوك، أو يرجع لبيته فيشتكي لأبيه ما حصل له، "فيستمع له الأب" فيقوم بالتواصل مع المرشد لمعالجة هذا السلوك والسعي لعدم تكراره، بذلك يكون "خالد" انتصر للقيم والسلوكيات التي تربى عليها.
تخرج "خالد" من المرحلة الابتدائية، وتوجه "للمرحلة المتوسطة"، التي تعتبر مرحلة حرجة في حياة كل طالب. دخل "خالد" في بيئة جديدة. معلمون جدد، وإداريون جدد، ومرشدون للطلبة جدد، لا يعرف في هذه المرحلة إلا زملاءه الذين انتقلوا معه للمرحلة المتوسطة، وجد "خالد" أن كل شيء تغير في هذه المرحلة، لا مكان لبراءة الطفولة، ولا مجال لمشاكسات الصغار، وجد أمامه مجموعة من المراهقين، منهم الصالح ومنهم الطالح، كل شخص بحسب تربيته.
انتقل "خالد" من مرحلة كان يشعر فيها بأنه الزعيم بين أقرانه وزملائه، إلى مرحلة يجد نفسه صغيرًا بينهم، يحتاج للمزيد من الوقت للتأقلم في هذه البيئة الجديدة، واكتساب الثقة في نفسه.
بعد شهر ونصف عاشها "خالد" في هذه البيئة الجديدة، وفي أثناء الفسحة المدرسية، تقدم أحد طلاب الصف الثالث متوسط لـ"خالد"، وأخذ يتحدث معه حول الهواية التي يحبها، فقال خالد بكل عفوية: أحب الألعاب الإلكترونية (البلايستيشن) و كرة القدم، فبدأ بالحديث مع "خالد" حول هوايته التي يحبها، وأخبره بأن لديه مجموعة من الألعاب المميزة في (البلايستيشن).
وأخبره بأنه سيضمه لفريقه في دوري كرة القدم المقام في المدرسة، فشعر "خالد" بتوافق الهوايات، فأخذ يتقرب من هذا الشاب، ولا يدري بأن هذا الشاب يحمل قيمًا سلبية ونوايا سيئة.
وبعد فترة من علاقة "خالد" بهذا الشاب المراهق، واحتكاكه البسيط معه في مباريات دوري المدرسة، أحضر هذا الشاب مجموعة من الصور الخليعة ودعى لها مجموعة من الطلاب ومنهم "خالد" لينظروا إليها، ولما نظر "خالد" لإحدى هذه الصور، تحركت في داخله القيم الإيجابية التي زرعها أبوه فيه، وصرخ في وجه زميله مستنكرًا هذه الصورة الخبيثة، وقال: "اتق الله .. هذي الصور عيب"، وفر هاربًا جزعًا من تصرف هذا الشاب السيئ!
أخذ يلتفت يمينًا، وشمالاً. حاول "خالد" أن يتوجه لغرفة المرشد الطلابي، أو المدير، أو لأحد المدرسين ليشتكي، ولكنه خاف من ردة فعلهم، وخصوصًا أنه جديد على هذه البيئة، ولا يعرف أحدًا، فكتم ذلك في صدره وسكت!
فكر "خالد" أن يتكلم مع أبيه في الموقف الذي حصل له، فقال في نفسه: لو أخبرت أبي فسيمنعني من لعب كرة القدم وممارسة هوايتي، وربما يغضب مني ويوبخني على هذا الفعل الذي لم يحصل لي من قبل، فقرر "خالد" السكوت وكتمان ما حصل له... انتهى،،،
تساؤل؛ ما هو مصير "خالد" بعد أن تعرض لهذا الموقف السلوكي ولم يستطع التحدث مع أي شخص يحميه؟
الإجابة؛ سيتعرض للمزيد من المواقف ويستمر في الكتمان إلى أن تهدم كل القيم التي زرعها أبوه فيه، وربما يرضخ لشهواته، رافضًا كل القيم الإيجابية متقبلاً لكل القيم السلبية.
وقفات وتوجيهات تربوية "لولي أمر" الطالب.
هذه توجيهات بسيطة ستكون بإذن الله مصدر حماية لابنك من أية مخاطر تمر به في المرحلة المتوسطة، وكل ذلك بعد توفيق الله وحفظه:
عليك بالدعاء لابنك في ظهر الغيب، فهذا هو أساس التوفيق.
قدم لابنك قدوة حسنة في السلوك، والتفكير، والوجدان؛ تلك القدوة تجعل حياة ابنك مدرسة ينشأ فيها بأفضل صورة، وليس هناك قدوة تقدمها لابنك أفضل من النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
مع نمو ابنك الجسماني، والعقلي، والوجداني ودخوله لمرحلة جديدة من حياته، فإن كثيرًا من احتياجاته تتغير وتختلف. من حقه إذًا أن تستوعب أنت هذه الاحتياجات، وتتفهمها، وتتقبلها أيضًا؛ حتى لو كنت لا تتفق معها في بعض الأوقات.
كن قريبًا من ابنك، تحدث معه واسمع منه، قربه منك في مجلسك.
لا تستخدم التوبيخ الشديد إن وجدت منه خطأ، فإن هذا يخلق فجوة بينك وبين ابنك. بل عليك استخدام الحزم وتجنب القسوة.
لا تعالج مشاكله التي يمر بها بحرمانه من هواياته المفضلة التي يمارسها في المدرسة، بل تواصل مع المرشد الطلابي في مدرسته للوصول إلى حل آخر لا يحرمه مع تلبية احتياجاته وميوله.
ازرع الثقة في نفس ابنك، وذلك بأن يقوم ببعض الأنشطة المنزلية، ودعه يشعر بشيء من الاستقلالية.
اترك ابنك يتكلم واسمع منه، حتى لو تكلم في أمور تافهة لا تتقبلها، فاليوم يتحدث في أمر تافه وغدًا ربما يحتاجك في أمر مهم.
إذا كنت في حالة غضب وتمر بضغوط اجتماعية، فتجنب مناقشة ابنك وأجل نقاشك لوقت آخر، واعتذر عن الحديث معه مع ذكر السبب، حتى يستطيع الرجوع إليك.
استخدم مع ابنك أسلوب الحوار بصيغة التبادل، والأخذ، والعطاء؛ لا بصورة الأوامر والنواهي، تلك الصيغة الفوقية التي تُشعر المراهق بعدم تقدير الذات.
ابنك في هذه المرحلة يحتاج للعاطفة أكثر من أي وقت مضى، والعاطفة تكون بالاهتمام، والكلمة الطيبة، والفعل الطيب التي يغذي حاجته العاطفية في هذه المرحلة، وإن لم يجد ذلك عندك، بحث عنه عند غيرك.
هذه بعض التوجيهات التربوية التي تسهل عليك طريقة التعامل مع ابنك في المرحلة المتوسطة بإذن الله، وتجعل من هذه المرحلة مرحلة بناء لشخصية ابنك، تجعل منه قائدًا سويًا، وسندًا لك في حياتك، ونبراسًا لدينه، وذخرًا لأمته.
هذا ما جادت به تجربتي وبحوثي التربوية "المتواضعة".
فإن رأيتم عيبًا فسدوا الخللا جل من لا عيب فيه وعلا
أسأل الله أن يقر أعينكم بصلاح أبنائكم، وأن يجعلهم ذخرًا للإسلام والمسلمين، وأن يحفظهم ويوفقهم لما فيه صالح دينهم ودنياهم.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.
التدقيق اللغوي: أنس جودة.