شهدت بلدان أوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر نهضة علمية شاملة؛ فتنوعت الأبحاث والتجارب لتشمل مختلف فروع العلم، ولتؤدي إلى اختراعات واكتشافات مهمة كانت السبب المباشر في قيام الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر. وهي ثورة كان لها الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء أفي أوروبا أم خارجها.
واحتدم التنافس بين الدول الصناعية للسيطرة على مصادر المواد الخام والأسواق الخارجية؛ مما نتج عنه تفاقم الاستعمار وانقسام العالم إلى جزأين؛ جزء مهيمن تمثله البلدان الصناعية وجزء مستغل تمثله بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
أما بالنسبة إلى الجانب الثقافي فقد رافقت الثورة الصناعية انتعاشة ثقافية كبيرة كان من ثمارها الإيمان بقدرة العقل البشري وبأهمية العلم والتقدم، وقد نشطت الحياة الثقافية عبر مراكزها التي انتشرت في كل مكان من أوروبا. وأثرت الحضارة الغربية على حياة الفرد الذي أخذ ينهل مما توفر له من أسباب التعلم والثقافة؛ فأسهم ذلك في رفع مستوى الوعي.
وبينما استفادت الولايات المتحدة الأمريكية من المنجزات الأوروبية لتطوير اقتصادها واستغلال مواردها حتى تمكنت من السيطرة على القارة الأمريكية بعد أن تقلص الدور الأوروبي فيها، واستوعب اليابان من جانبه منجزات الغرب العلمية محققا بذلك ثورته الصناعية؛ نجد أن العرب عملوا على تقليد التجربة الغربية واستيرادها ونقلها، ومع ذلك لم يحدثوا التقدم المنشود؛ وذلك لأسباب:
أولها: عدم العمل على أخذ المبادئ والأسرار وراء تقدم تجربة أوروبا الغربية.
ثانيها: عدم مراعاة الخصوصيات المحلية في العالم العربي أثناء العمل على نقل التجارب الغربية؛ والذي يدفع نحو إضفاء الطابع المحلي على التجارب الغربية المنقولة.
ثالثها: الجهود الغربية الحثيثة نحو العمل على تكريس تبعية العالم العربي للغرب سواء أمن خلال استعمار عسكري أم اقتصادي أو ثقافي عن طريق الغزو الفكري الغربي للثقافة العربية.
رابعا: الإعجاب العربي الشديد بالغرب الذي وصل إلى حالة التقديس.
وكان من نتائج هذه العوامل السابقة أن نشأت عقدة الخواجة لدى العرب؛ حيث أصبح الخواجة خبيرا مهما كانت درجته العلمية؛ وتراجعت الاستفادة من الكفاءات والخبرات العربية المخلصة المتميزة ومن أبحاثهم؛ بينما يتم الاستفادة منهم في الغرب؛ وبالتالي نتج عن ذلك عدم تقدم العرب وتكريس التفوق الغربي وتبعية العرب للغرب.
التدقيق اللغوي: أبوهاشم حميد نجاحي