لم أكن ألقي بالاً لذلك المدعو "مالك بارودي" لا لشخصه ولا لما يكتب، رغم أنه أحد كتاب الحوار المتمدن الذي أكتب فيه أيضًا؛ فمنذ أن طالعت عناوين مقالاته ثم مروري على سطورها سريعًا، وأنا أحسه واحدًا من صبيان الإلحاد، تفارق أفكاره العلمية؛ كما يفارق حواره التمدن؛ فما يخرج منه سوي قيح الحقد، وفحيح غضب مُر يخص به الإسلام وحده، وكأنه مأجور على هذا..مدفوع له الأجر، ولاينتظر الأجر من الله الذي لايعتقد بوجوده.
طلع علينا "بارودي" بتاريخ (23 نوفمبر 2014) على موقع الحوار المتمدّن (محور: العلمانيّة، الدّين السّياسي ونقد الفكر الدّيني) بمقال عنوانه : تعليقاً على مقال السّيّد إبراهيم أحمد: الصّور والرّسوم المسيئة للمسيح، بدأه لا بمناقشة فكر كاتب المقال؛ بأن يعرض أهم الخطوط العريضة فيه؛ ثم يفندها بأدب واحترام شأن أهل العلم والفكر؛ ولكنه بدأه بطريقته الصبيانية الفجة التي يمارسها في مهاجمة الذات الإلهية، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والدين الخاتم للرسالات السماوية، فيتهم مقالتي بأنها إحدى "المقالات المنافقة التي تتكاثر وتتكرّر"، ثم يهاجم صاحب المقال دون أن يعلم عنه شيئًا فيتهمه بالاتهام الذي يعود عليه وهو الهجوم مدفوع الأجر مسبقًا، أو هاجم ثم أدفع لك، فاتهمني بأنني وكل من يدافع عن الإسلام "وكلّ همّ أصحابها منصبّ، في نهاية الأمر، وبطريقة ملتوية ومنافقة، على تمجيد الإسلام طمعًا في النّجاح في إيهامهم بأنّ الإسلام دين وبأنّ محمّداً رسولٌ مثل الذين يتبعونهم وبأنّ الإسلام يحترم الأديان الأخرى ورسلها وبالتّالي لايجب إنتقاد الإسلام ورسوله وقرآنه؛ لأنّ الإسلام كرّم رسلهم واعترف بأديانهم ثم تقيأ كلامًا ما زال يردده أولئك الغلمان في حَارات الشبكة العنكبوتية من أتباعه أو سادته من اتهام الإسلام بالبداوة والتخلف والإرهاب، وأخيرًا بعد أن قطع هذا الشوط من التهريج بدأ النظر في المقال الذي سينتقده، فيقول: (ينطلق الكاتب في مقاله بإيراد جملة من الأحداث التي تعرّضت فيها صورة المسيح للإساءة والتّصوير الفاضح، ويقول في خضمّ كلامه "والعياذ بالله من تصاويرهم كلها" وقد ركّز الكاتب بخبث منه على الأحداث التي كان مسرحها الغرب، ولم يتطرّق لشيء ممّا يحدث في البلدان الإسلاميّة من تشويه للمسيح وإستهزاء بموسى وحرق للأناجيل وللكنائس، إلخ، ولكنّنا نتفهّم أسلوبه الإنتقائيّ الذي أراد من خلاله ترك صفحة المسلمين بيضاء ناصعة ليستطيع تمرير أكذوبة أنّ الإسلام والمسلمين يحترمون كلّ الأنبياء والرّسل وكلّ الدّيانات بسهولة، فالإسلام دين ملائكيّ والمسلمون حملان وديعة لا يصدر عنها شيء من هذا القبيل).
لو كلف الكاتب الجهبذ نفسه عناء البحث لعلم أن أصل هذا المقال فصل من كتابي: "سيظل رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما أساؤوا"، والمقال وحده قائمُ بذاته، حاولت من خلاله تقريب وجهتي النظر بين من غضبوا من المسلمين بسبب تصوير نبيهم ورمز قداستهم بمثل هذه الصور والرسوم وبين من رسموها من أهل الغرب الذين روْعهم مثل رد الفعل العنيف من المسلمين، في محاولة مني لتوضيح المنهج الغربي في نزع القداسة عن رموز ديانتهم؛ فما بالك برمز دين لا يؤمنون به؟! فكان من الطبيعي والحال هكذا أن يكون مسرح الأحداث هو الغرب الذي وردت منه الإساءة، فهكذا يقول العلم أما الفهلوة في القفز فوق الأحداث وجر الداخل إلى منطقة المقال فهو خارج حدود الدراسة كما تعلمنا ذلك من أساسيات البحث العلمي، ولم يكن من وراء هذا ذلك الاستنتاج المتسرع من كاتبنا النابه بأنه محاولة مني لتصوير الإسلام كدين ملائكي والمسلمين كحملان؛ بل ـ للأسف ـ محاولة من بارودي في تصوير المشهد داخل البلدان الإسلامية بأنه أحداث تكرارية يومية في الإعتداءات على تشويه المسيح وموسى عليهما السلام، وهو ما ينافي الواقع المعيش جملةً وتفصيلا، أما حرق الكنائس فهذا ما لم ننكره شأنها في ذلك شأن إهانة المساجد بتلطيخها ومهاجمتها وحرق بعضها سواءٌ في هذا ما أتم ويتم في بلاد الهند أم أمريكا أم أوروبا، ولا أدري لماذا لا يقر بارودي المحايد العادل بخطايا الممارسات ضد المسلمين في بورما وبلاد أخرى في أسيا، ويتباكى فقط على ممارسات وهمية في أكثرها، ويتغافل عن وقائع مؤسفة من حرق للمسلمين في ميانمار وهم أحياء؟! ولا أدري كيف قرأ ذلك النابه مقالتي وكيف فهمها؟!.. حيث خلط بين المجاز والحقيقة حين تصور أنني أقر أن العلمانية دين، وأصل المقولة نطلقها في وجه من يتبنى مذهبًا ودينًا أرضيًا، بعدما يتحلل من دينه السماوي الإلهي، فإذا به يقيم من مذهبه الجديد دينًا يؤمن به، ويتعصب له، ويدافع عنه، بل لايقبل أي انتقاد له من أحد، ويزج بمعارضيه في السجون أو يبيدهم، هكذا فعل أكثر من تمركس أو تعلمن، ولا أعتقد أن هناك قارئا جاهلا سيصدق أن العلمانية دين كما يدعي الكاتب العالم الذي سوغ له ذكاؤه أن هذا هو مقصدي.
والغريب المريب أن ابن بارودي المفتون بالغرب ينسى كيف رعى الإسلام كدين خاتم الحرية العقلية في مناهجه الفكرية، ولا أدل على هذا من استخدام العقل في نقد النقل واستخلاص الأحاديث الصحاح كما في علم الحديث؛ مثلما ورد فِعلُ العقل في القرآن الكريم الذي يدل على عملية الإدراك والتفكير والفهم لدى الإنسان، بل لو تابع الأفكار المناظرة لأفكار ديكارت في الفلسفة الإسلامية وكذلك بعض أفكار دافيد هيوم لوجد فيها نظيرًا كثيرًا، وهذا يدل على التلاقح الفكري بين الفلسفة الإسلامية والفكر اليوناني القديم الذي بدون معرفته لا تفهم الفلسفة الإسلامية، وفي المقابل لا يمكن فهم الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط فهمًا جيدًا إلا بعد معرفة الفلسفة الإسلامية. ولهذا فقد قفز بارودي قفزة بهلوانية حين ادعى أن: ("جون ويلكس" هو أحد الذين ساهموا وكانوا، بأعمالهم وكتاباتهم، سببًا في إقرار إحدى أهمّ الحرّيّات التي يتمتّع بها الإنسان في وقتنا الحاضر: حرّيّة التّعبير والصّحّافة. كاتبنا الجهبذ "السّيّد إبراهيم أحمد" هو نفسه يتمتّع بثمار "جون ويلكس" وأمثاله).
وفي هذا كذب وخطل وخلط للأوراق؛ فقد عرفت طريقي للكتابة والتصنيف قبل معرفتي بجون ويلكس والذي تعرفت عليه وأنا أضع كتابي المشار إليه آنفًا: "سيظل رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما أساؤوا"، وبالتالي فأنا ربيب الحضارة الإسلامية باحترامها للنقل واعترافها بالعقل، ومن أهم رموزها من هم أساتذة ويلكس بل أساتذة أساتذته وهما: الغزالي وابن رشد، وقد بين المستشرق الأسباني "أسيون بلاثيوس" في بحث له عقد فيه مقارنة بين ابن رشد وتوماس الإكويني كيف أن توماس عرف آراء ابن رشد وانتفع بها، بل أن العالم الأسباني "سلفادور جومث نوجالس" قد أكد بصفة قاطعة أن الفلسفة الإسلامية قد أثرت تأثيرًا حاسمًا في تفكير الغرب في القرون الوسطى، كما أقر الأستاذ الألماني "فاين" بجامعة دويسبورغ- إيسن بأن الغزالي وليس ديكارت هو أبو الفلسفة الحديثة، ولهذا فإن فضل ويلكس يغطي بارودي من منبت شعره إلى أخمص قدميه هو ولست أنا.
لقد مارس بارودي من خلال مقالته العصماء إرهابية فكرية تماثل إرهابية داعش ورئيسها "أبي بكر البغدادي" ولهذا جاء عنوان مقالي متناصًا "داعشية ابن بارودي الإلحادي"، وقد يُفهم على أنه اعتراضً مني على توجهه الفكري والعقيدي وخروجه من ربقة الإسلام، وهو ما لم أقله، وقد شملت إرهابيته المقال من مفتتحه حتى مختتمه والذي سأتعرض له في حينه؛ من اتهامات وغمزات ولمزات تجيدها بعض النساء لا العلماء. كان منهجي حين كتبت كتابي: "رسول الله صلى الله عليه وسلم" ــ وأحمد الله أنه شاع وانتشر ـ أن أبين نفاق الغرب العلماني في ازدواجيته الغريبة والمريبة في التعامل مع حرية التعبير، فقلت في مقدمته: (وهذه الصفحات التاليات تستعرض تاريخ الإساءات الغربية لنبينا خاصة وبعض الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والتسليم وخاصة السيد المسيح الذى يؤمنون به معبودًا لهم ولم يسلم من سفاهاتهم وسفالاتهم، لنثبت فى النهاية أن حرية التعبير التى طالما تغنوا بأنها لا تعرف التمييز ولا التفريق؛ فالكل سواء فى عدم قداسته أمامها، إن هىِّ إلا سفسطة وخدعة كبيرة؛ إذ إنها موجهة فقط لمن يريدون الإساءة له، كما أثبتنا أنها حرية جبانة لا تستطيع مجاوزة الحد أمام من يقدسونه باسم الدين تارة، وباسم القانون تارة أخرى، وأن المستهدف أمامهم بشكل واسع هو الإسلام دين التوحيد الحق ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم)؛ ولهذا فقد جاءت الفصول الثلاثة بالباب الثالث من الكتاب، متتالية في عنونتها، كالتالي: حرية ..’’التعبير المراوغ’’، الاحتجاج .. حلالٌ لهم وحرامٌ علينا، الهولوكست.. محرقة: تحرق من ينتقدها.
ولم أكن أدري وأنا أخط السطور الأولى من فصل:"الاحتجاج .. حلالٌ لهم وحرامٌ علينا" أنها ستكون ردًا على الجهبذ بارودي، فقد قلت: (من حق الغرب الإهانة وعلينا الإذعان، ومن حقهم الاساءة وليس علينا الاحتجاج .. لقد وصف أحد المتنطعين من الشرق وأحد الحاقدين من الغرب موقف الأمة الإسلامية فى إعلان غضبتها واستنكارها لما مس نبيهم وسيدهم صلى الله عليه وسلم بأنه: ردود غوغائية تطالب بإعادة بوليس الفكر، ومحاكم التفتيش وأقنعونا بأن الغرب هناك يعيش تحت مظلة حرية التعبيرالتى نجهلها ووجب علينا احترامها، ولا أدرى كيف سيقنعنا من هان عليهم دينهم من أبناء الإسلام بعدم الاحتجاج احترامًا لحرية التعبير بعدما ثار أهل حرية التعبير ضد من عبروا عن آرائهم بحرية ضد دينهم ورموزهم ومعتقدهم).. وإذا بالبارودي وهو يتكلم عن مآثر ويلكس بإرسائه حرّيّة التّعبير والصّحّافة؛ يدعي بأنها: (ثمارٌ لم يكن للعرب ولا للمسلمين أيّة مساهمة فيها؛ لكنّهم يطالبون بها لأنفسهم ويريدون منعها عن الآخرين في الوقت نفسه (وهو منطق "حلال علينا، حرام عليكم" المنافق الذي بُني عليه الإسلام كلّه)؛ بل يُفصّلونها على مقاسهم ويضيفون إليها خرقا بالية من هنا وألوانا أخرى من هناك وكأنّهم هم أصحابها ومالكوها).. ولا أدري ما هذا الموقف الانبطاحي أمام نفاق الغرب العلماني، وكيف يمارس "بارودي" نفسه ازدواجية فوق ازدواجية أسياده؛ وكأنه يظلم الإسلام المرة تلو المرة، وكيف لجهبذ مثله أن يخلط بين النظام السياسي لدولة ما وبين الإسلام كدين وحضارة عالمية؟! بل كيف يعمم حكمه على الأنظمة السياسية للبلدان الإسلامية مع اختلاف توجهاتها ما بين رأسمالي واشتراكي، وملكي وجمهوري ولم يكن الإسلام طرفًا في نظمها؟!
إن اتهامي لـبارودي بعدم العلمية مصدره أن الرجل لم يتعلم من أسياده المستشرقين كيفية زج الشبهات باحترافية؛ فقد كان أشدهم ولوغًا في جسد الإسلام تقطيعًا وتكسيرًا يتورع قليلاً أو كثيرًا عن ملازمة العداوة الدائمة والثابتة للإسلام، ولهذا فكثيرًا ما تند عنهم مقولات رغمًا عنهم أو بإرادتهم من إنصاف الإسلام وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكان أغباهم من يتخذ الموقف الثابت الذي أشرت إليه، وهو فعل بارودي وديدنه الثبات الدائم على الهجوم على الإسلام ومعبود المسلمين ونبيهم وكتابهم، فقد عميت عين العداوة فيه أن تري حسنًا قط في الإسلام، بل يشتط به غضبه الغشوم إلى قلب الحقائق لكي تصب في مصلحة أنصاره من العلمانيين؛ إذ هو لا يمل من تمجيد العلمانية التي لولاها لما فتحت أوروبا أبوابها للمسلمين ولما بنت لهم المساجد، وكأن الإسلام يحرم بناء المعابد اليهودية والكنائس المسيحية على أرضه، كما لايمل من اتهام الإسلام بالنفاق لأنه يحرم بناء الكنائس على أرض جزيرة العرب، وقد اعتبرها هو ومن يدينون بإلحاده ومن لا يدينون إلا بالنصرانية أن هذا يمثل عنصرية من الإسلام ورسوله، ومما لا شك فيه أن هذا قصور عن فهم من تصور هذا، وعليه أن يراجع الفقرة (2) من المادة (29) من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948م على أنه: (لا يخضع أي فرد في ممارسة حقوقه وحرياته إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفًا منها حصرًا ضمان الاعتراف بحقوق وحريات الآخرين واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديموقراطي)؛ وبالتالي فإن لكل دولة سيادة على أراضيها محدودة بحدود معترف بها، ومن حقها أن تطبق قوانينها وأنظمتها داخل حدودها على رعاياها، وعلى المقيمين على أراضيها، وأن لا يطبق في أراضيها قانون أجنبي، بل لا مرجع فيها سوى دستورها ونظامها العام وقضائها الوطني، وأما سريان التزاماتها التعاهدية بموجب مواثيق منظمة الأمم المتحدة وقراراتها التي تتناول حقوق الإنسان على وجه الخصوص، فهو مقيد بشرط عدم المساس بنظام الدولة وأمنها العام، ودستور المملكة العربية السعودية الذي ارتضاه شعبها هو الشريعة الإسلامية المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتي أقرت حق الإنسان في الاعتقاد وممارسة الشعائر لغير المسلمين، وإقامة المعابد في بلاد الإسلام، واستثنت من ذلك جزيرة العرب؛ فهذه الجزيرة حرم الإسلام وداره الأولى، ولهذا فقد منعت الشريعة الإسلامية غير المسلمين من المجاهرة بشعائرهم الدينية ومن إقامة معابد لهم في جزيرة العرب.
ولا أدري لماذا لم ينسحب حكم بارودي بالعنصرية على دستور الجماعات الرهبانية التي تقطن "جبل آثوس" المقدس بشمال اليونان الذي لايسمح بدخول النساء لجميع مرافق المنطقة أبدّا؛ وذلك من أجل الابتعاد عن الشهوة الجنسية، ولذا فهي منطقة نسكية، ومن ينتهك حرمة الجبل بدخول النساء إليه يعاقب بالسجن من سنة واحدة إلى سنتين؟! ولا أدري كيف يتغافل وهو يصور لنا الغرب على أنه جنة المسلمين عن الجماعات اليمينية المتطرفة التي تهاجم وتعارض وتدنس وأحيانًا تعتدي بالحرق على بعض المساجد والمقابر الخاصة بالمسلمين فيما يسمى بالإسلاموفوبيا مما يتناقض والليبرالية؛ خاصة وأن هذه الممارسات توجه ضد مواطنيهم من المسلمين فقط؟! ولأن بارودي لايؤمن بالقرآن الكريم فلذلك فاته الكثير أن يتعلمه؛ ومن ذلك أدب الجدال والحوار، واحترام عقيدة المخالف لك، ولهذا فمنذ طالعت بعضًا من عناوين موضوعاته فلم أعره التفاتًا في الرد على ما يهرف به من نفايات فكرية، وإذا به من خلال مقالته يمارس داعشيته الإرهابية باعتباره دوجماطيقيًا، ولم يتعلم من الغرب الذي يعبده شيئًا ذا بال غير الفوضوية والعبثية التي ينتهجها كسلوك فردي؛ لأن الحرية التي يعرفها الغرب ويعرفها كل عاقل طبيعي من البشر هيَّ الحرية المسئولة الملتزمة والتي لاتؤذي أحدًا كما ذكر ذلك جون استيوارت مل في كتابه المشهور "في الحرية" والذي أباح فيه استخدام القوة مع أي فرد يعيش في جماعة متمدنة لمنع هذا الفرد من إلحاق الأذى بغيره من الأفراد، فكيف بشخص يفترض فيه أنه طبيعي ويعيش في مجتمع متمدن وينشر مقالاته في الحوار المتمدن مثل بارودي الذي يعطي لنفسه الحق في السخرية من معتقدات المسلمين وإلههم لأنه بهذا إنما يدافع عن حريته وإنسانيته! أي حرية تلك وأي إنسانية تعطي لنفسها الحق في سب معتقد فرد آخر لأنه لم يعجب سيادته، وأي نفاق هذا الذي يتمتع به بارودي في انتقائيته السخرية من عقيدة المسلمين وحسب؟! ..
أين أنت من عدل القرآن الكريم الذي تطالبني بأن أؤمن به ولا أفرض عليك الإيمان به، وهو الذي أمر أتباعه بعدم السخرية أو اللمز أو التنابز بالألقاب، والإعراض عن الجاهلين، وعدم سب دينهم، والتجاء كل مؤمن إلى ما يعتقده [لكم دينكم وليَّ دين]، ولا إكراه في الدين، ولهذا فلم أكلف نفسي يومًا مشقة دعوتك إلى العودة إلى الإسلام، أو عناء مناقشة أفكارك، لأن موقفك ليس ضد الدين ككل، وإنما ضد الإسلام وحسب؛ وهذا وحده كفيل بالإبانة عن عوار موقفك ككل. وليت الكاتب الهمام يلتزم بما نصحني به من توفير وقته للإقلاع عما يكتبه من مغالطات في مقالات، وصبيانيته المقيتة في محاولة إقامة نص مواز للقرآن الكريم؛ وهيهات له وألف هيهات، وأن يتقوقع على ذاته في الالتحاف بإلحاديته العفنة، وأن يكتفي بنجاته من براثن الإيمان، فلا يقيم من الإلحاد دينًا وينصب من نفسه رسولاً يسعى بين الناس بدعوتهم للخروج من الإيمان إلى الكفر مثلما يفعل من وليهم الطاغوت فيخرجهم من النور إلى الظلمات، وأن يبرأ من تناقضاته وأوهامه، فإذا كان مقالي فارغا ومنافقا فلم أجهدت نفسك في الرد عليه أيها الفارغ المنافق، ونصحك مرفوض أيها الدعي لأنني ــ رغم أنفك ــ كاتب يدافع عن قضية وهوية لدين صالح لكل زمان ومكان شئت أم أبيت، ولذا فإن من تربوا على العلمانية يهجرونها ويدخلون فيه جماعات وفرادى حتى صار الدين الثاني في القارة الأوروبية وهذا ما يقتلك كمدًا وحزنًا، ودفاعًا عن هذا الدين وإظهارًا لمحاسنه كتبت الكتب والدراسات والمقالات والحلقات التليفزيونية التي أعددتها وقدمتها، لأنني يقينًا أعلم أن الله موجود ــ رغمًا عنك ــ ويدافع عن الذين آمنوا وعن رسله ضد المعتدين والمستهزئين من أمثالك، والقبر يضمنا، والقيامة تجمعنا، والله الموعد، وسيريني الله تعالى آيته فيك مثلما أراني في من انتهجوا نهجك ممن سبقوك وظنوا أنه تعالى مفلتهم، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، بعد أن تركهم في طغيانهم يعمهون.. فانتظر..
التدقيق اللغوي: أبوهاشم حميد نجاحي