يوافق اليوم العالمي للغة العربية هذا العام ٢٠١٥ في التاريخ الهجري الجمعة السابع من ربيع الأول عام ١٤٣٧. ومن يتأمل مقولة الرافعي: (ما ذلت لغة شعب إلا ذل، وما انحطت إلا كان أمره في إدبار)، يفكر فيما لو عكسنا المقولة وقلبناها إلى سؤال: فهل ذُل الشعوب طريق إلى ذُل لغاتها؟ وهل انحطاط اللغة الأم لأي شعب مؤشر نحو زواله؟ لو تأملنا المقولة وعكسها لاطمأننا إلى نأي العربية عن هذين المصيرين، والسر وراء ذلك لا قوة العرب وتماسكهم واقتيادهم زمام المبادرة، قطعا لا! فالسبب الحقيقي هو ارتباط هذه اللغة بشرف وخلود كتاب الله العزيز، الذي جعله خاتمة الشرائع السماوية التي يبلغها البشر، فمن حفْظ هذا الكتاب جاء حفظ هذه اللغة، وهذا سيطمئننا –أيضا- إلى أنها ستكون في منعة من الزوال، شأنها شأن هذا الكتاب العظيم. وهذا اصطفاء رباني عظيم لهذه اللغة. لكن السؤال هنا: هل نكتفي بمعجزة الله -سبحانه- في هذا الحفظ! أم نحتاج لبذل الأسباب لنشرها وإتقانها وتعليمها وتطويعها لمتطلبات الزمان، أليس مثلها والعقل سواء! لقد منحنا الله إياه بقدرات هائلة، لكن من أبقاه منا ساكنا في حرز جمجمته فلن ينال شيئا من منافعه. ثم ألم نر إلى مريم -عليها السلام- في فترة مخاضها وضعفها حينما يقول الله –عز وجل- لها (وهزي إليك بجذع النخلة) حتى تأكل! وهو –سبحانه –قادر على منحها رزقها دون جهد منها... ولكنه شرف نعمة الشكر... ألم تَر أن الله قال لمريما: وهزّي إليك الجذع يسّاقط الرُّطَبُ ولو شاء أن تجنيه من غير هزّهِ جنتْه، ولكنْ كل شيء له سببُ وفي هذه القصة حكمة ربانية، تنطوي تحت درس من دروس الاستخلاف في الأرض... يؤيدها قول الله –عز وجل-: (إنا مكنا له في الأرض) ولم ينتهِ الأمر عند هذا بل تبعه: (وآتيناه من كل شيء سببا). نعمة جليلة أن يمكّننا الله من القدرات والخيرات، ويهبنا النعم، ثم يكون علينا الباقي في شكر الله عليها بحسن الانتفاع والإفادة، وإحكام التدبير، وما أمر العربية ببعيد، فهي منحة ربانية لكل من عرف قدرها، واعترف بإمكاناتها، ورعى حقها تعلما وإتقانا وتعليما ونشرا. بعيدا عن ضجيج الشعارات، وادعاء الحب، وتنفير الآخرين منها برداءة (التفاصح). فهي أسمى وأعلى من أن تنشر بمثل هذا. وفيها من الجلال والجمال والكمال ما يجعل سامعوها يُشدهون إليها؛ سحرا وطربا وافتنانا، وإن لم يفقهوا منها حرفا ولا معنى. وبعد هل أدركنا أين هي لغتنا الآن! أهي حقا - كما نزعم- لها شرف الهوية؟ أم قد شارفت -في أنظارنا- على الهاوية؟