من نعم الله على الإنسان المعاصر وسائل الاتصال الكثيفة التي يعوم فيها الإنسان، فلا يستطيع معرفة العمق لها ولا الطول ولا العرض، إنها متعددة التواصل: عبر الهاتف، وعبر الواتس اب ومجموعاته وأفراده، وعبر جوجل، وعبر الفيس بوك، وعبر تويتر، وعبر الصحف الإلكترونية ومداخلاتها. إنها ميدان للحوار والجدل والاختلاف وتارة الافتراق من بعد ما جاءهم العلم، وهي وسيلة للعلم والمعرفة والعمل والممارسة، ووسيلة لكشف المواهب، وعن طريقها تجمع المعلومات، وهي تضع الكتب أمامك، كأنها طائر الهدهد أمام سليمان بن داود، والكتب بين يديك حاضرة في لحظات نيرات مثمرات، إنها تواصل بين الأرحام في المشارق والمغارب، وهي طريق التعارف والتحابّ، وهي ملتقي الأفكار والمفكرين، وميدان للجدل والحوار الموصل للخير، وهي ناشرة الإبداع، ومعرّفة بالمبدعين. إنني أعترف بتقصيري، فأنا أعدّ من محاسنها ولا أستطيع أن أحصيها.
إنها مولّد الحضارة السريعة المتوثبة، إنها ميدان عقول الموهوبين المبدعين وطرائق نتائجها، وقد استخدمها شباب الغرب في صالح الفرد أولا، ثم تطور إلى صالح العالم بأسرة، إنها جامعة المعلومات للفرد والدول، إنها اخترقت الخصوصيات وسبرت أغوار الساسة والخبراء وصانعي القرار، إن الاستخدام الأمثل لها يرقى بالأمم والأفراد، ويطور الصناعة، ويبدع الإبداع، وينجز الإنجاز، ويولد المعرفة، ويجسد الصناعة الدقيقة، كتوجّه الطائرة في الفضاء، وتوجّه السفن في البحار، وتصور الكواكب والنجوم والأعلى والأسفل من السموات والأرضين.
ونجد أن العالم العربي وظفها لجمع المعلومات وللتواصل وغيره، ولكنهم لم يوظفوها في كشف المواهب، ولم يطوروا بها الصناعات، بل إن الأفراد هم أدهى وأمر حين يستخدمونها للطعن والقذف وتحطيم المبدعين، ومما زاد الطين بلة استخدامهم لها تحت الأرقام والأسماء المستعارة يواجهون بها الذين يكشفون عن أسمائهم وحضورهم وفكرهم، إن هؤلاء المختفين وراء أفكارهم هل يدخلون في جانب من جوانب النفاق الاجتماعي فهم يظهرون ما لا يبطنون، ويخشون من تعريتهم أمام المجتمع وكشف أكاذيبهم ولو كان ما يقولون حقا ومفيدا لتفاخروا به وأعلنوا عن أسمائهم، كم خذلوا من مبتدئ! وكم ظلموا من كاتب! وكم نشروا من الشائعات! وكم عرقلوا من مسيرة المنفذين المبدعين هجوما وبهتانا! وكم أرهبوا من إداري فأخذ يداري! لأن المقدام يصيب ويخطئ، وربما إن الصواب يتأخر ظهوره. لست أدري عن حكمهم الشرعي هل يلحقون بالمحرضين؟ ليتهم يكتبون صوابا، أو يختلفون مع الآخرين ويظهرون للملأ، إنهم يكوّنون ثللا خفية، فهل هؤلاء يحملون الأمانة والكلمة المنيرة والحكمة البليغة، وقد غرّد المفكر عبدالله النفيسي عنهم وتساءل كيف يرد على مجهولٍ فلو كان يحمل خيرا لبرز للعيان، ورأى أن هؤلاء ضد الحضارة، وليسوا من أهلها؛ لأنهم يضادونها، أمّا الأمم المتقدمة فلا تجد هذا النتاج الضار عبر وسائلهم، فمتى ترتفع قدرات شبابنا نساء وذكورا ويحملون أمانة الحرف وأمانة الإنصاف، والضمير والمبدأ الصادق.
إننا أمام تواصل يسعى للإثارة، ولا يمحص وليس هناك محاماة يخشي منها هؤلاء العابثون، إنني أستثني الذين يقولون كلمة الحق ويخشون من الظهور، وهم قلة لظروف ربما نعذرهم لها بشرط أن لا يقولوا إلا صدقا وحقا وعدلا وتوجيها سليما لكلمة ذوقية وبكلمة ذوقية.
إننا أحوج ما نحتاج إلى آداب التواصل واستثمارها في الخير فمنها:
1. مراقبة استخدام الأطفال وتوجيههم إلى الصالح منها واستثمار المعرفة، وكشف المواهب، وممارسة تطبيق المواد، ولا بأس بالألعاب المفيدة في ساعات محدودة.
2. الأمانة الذاتية والضمير الحي والمبدأ الصادق الذي يراقب ذاته ويحاسبها قبل كتابة المداخلة أو التغريدة.
3. خشية الله فكما للناس من أعراض فإنك تحمل مثل هذا والله يسلط على الظالم فهو الذي يظلم نفسه.
4. عدم تجهيل العلماء إنهم يسيئون للعلماء الذين يقولون الحق أو ربما يخطئون وهؤلاء يغفر الله لهم، فللمصيب أجران وللمخطئ أجر.
5. إن المبدع ليس عمله كله إبداعا، فلا بد من الضعف أو المخالفة فتكون المداخلات البناءة مساعدة له على بناء الفكرة وإصلاحها.
6. أتمنى أن تتجسد لدينا محاماة خاصة بتقنية التواصل.
7. إن يبتعد الكاتبون عن محاماة الذات والمدافعة عما يحبون بالحق أو الباطل والواجب قول الحق على النفس وعلى الأقربين.
8. إن الصفا والاتفاق والاختلاف كلها أمور تؤدي إلي الذوق السليم والحضارة.
9. عليهم إلا يخالفوا النية الصالحة والحقيقة الواضحة، إن المخالفة عيب في المجتمعات ولا تشير إلى أمة متقدمة.
10. الالتزام بالنقد البناء الذي يؤثر الصالح العام على الفردية.
11. أن يختفي الحقد والحسد من مضمون المداخلات.
12. أن يجتنبوا الشائعات ويحذروا منها وينأون عنها.
13. ليت وسائل النشر تراقب مراقبة هادئة وموجهة.
ّّ التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي.