كلماتي هذه -كما هو مُعنْونٌ لها تخطو أولى خطواتها إلى الصلح بين متقاطعين، أو بوصف ٍأدق: بين قاطع وبريء من القطيعة، بين مقدّمِ معرفة -أيا كان- وبين الكِتاب: مخصّصًا لمجال ما أو منوعا. ولعل الكثير يلمس هذه القطيعة أو يلمحها في حديث معاد، أو ذكر معلومات قديمة، أو إعادة موضوعات مما تداركه اللاحقون من المحققين أو المدققين بالتصحيح، أو مما تسارع العلم بالإتيان فيه بجديد... بل ربما لا يبقى الأمر عند ثبات هذا النوع من المتعالمين في أول منعطف للعلم، بل يتعداه إلى ظهور الهجر البيّن للقراءة -منذ مغادرة آخر مقر تعليمي- في كلام هذا المتحدث، أو -كما سميناه- ناقل المعرفة. وبما أن الفقرة السابقة قد حوت ملامح القطيعة بين (ناقل المعرفة) والقراءة؛ فالفقرة التالية ستفتح عدة سبل؛ تمكّن مَن يسلكها –بإذن الله- مِن بدْء القراءة، ثم اعتيادها، ثم جعْل ممارستها نظاما حياتيا لا غنى عنه. أول هذه السبل: معرفة الإنسان قدر نفسه، وأنما هو (بأصغريه: عقله ولسانه)، وهذان الأصغران لا يمثّلان الإنسان – كما يريد – إلا إذا غذاهما بزاد المعرفة والتعلم والاطلاع الدائم، فإذا اقتنعت بذلك فيمكن مواصلة القراءة؛ لتعرف السبيل الثاني، وإن لم تقنعك تلك الفكرة السابقة، فأدعوك إلى التوقف عن مواصلة القراءة، فلربما حوى هذا المقال أفكارا لن تستثير اهتمامك، ووقتك أثمن. ثاني السبل: تعرّف الإنسانِ طبيعتَه، فإن كان يستكثر مما يحب؛ فليختر كتبا حول اهتماماته، والأشياء التي يحبها حتى لو لم تقدم له جديدا، فالمهم هنا هو إيجاد علاقة صداقة بينه وبين الكتب: أغلفتها، ورائحة أوراقها، وإخراجها، وعناوينها، بل حتى طريقة حملها وتصفُّحها.
وإن كان هذا الإنسان يميل إلى استكشاف المجهول فسيكون مجرد انقداح فكرة في ذهنه فرصةً مناسبة للبحث عن كتاب حولها وقراءته. وإن كان هذا الإنسان يحب الجديد فعالم المكتبات كفيل بتقديم كل ما يجِدّ من تأليف، وكما سبق فمعرفة الإنسان لطبيعته أمر مهم. ثالث السبل: إدراك أهمية تخصيص وقت للقراءة الواعية المثمرة، وهذا حسبما يناسب الإنسان؛ فإذا كان منظمًا صاحبَ جداول يومية أو أسبوعية؛ فمن الجيد له أن يضع وقتا ضمن هذا الجدول للقراءة. وإن كان منجزًا من غير التزام بجداول تنظيمية فمن المفيد له كثيرًا أن يضع في حسبانه أن القراءة مُنْجَز عظيم، وسيعظم أكثر لو نتج عنها أفكار ورؤى، أو حتى مشاريع. هذه سبل إلى القراءة –من وجهة نظري-، وهناك غيرها كثير، غير أنها ملئت شوكًا، فاستوحش بعضنا من سلوكها فرادى. وربما أفتح –هنا- أمام صاحب الهمة سبيلًا أخيرًا، وهو الاشتراك في المجموعات القرائية، أو النوادي، وقد قدمت شبكات التواصل الاجتماعي خدمة كبيرة من هذا النوع، سواء باقتراح الكتب، أو تحديد كتاب معين، ثم تحديد زمن لإنهائه، ثم مناقشة مفتوحة حوله. أو تسجيل مَن يرغب اسمه واسم كتاب يقترحه، ثم طلب منح الفرصة لعرضه –كما يراه- أمام الآخرين، بينما تتولى هذه المواقع الإعلان عن ذلك. وبعد آخر سبيل، لا ننسى أن القراءة نفسها سبيل إلى النهوض بعد كثير من العثرات، على المستوى: الشخصي، أو الاجتماعي، أو الحضاري... ﴿اقرأ وربك الأكرم﴾.