يقول كافكا وهو كاتب يهودي:
"الكتابة تكليف لم يكلفني به أحد"، وكلامه سليم إلى حد ما، ولكن لو سألت نفسك لماذا نكتب؟ تستطيع وتستطيعـ/ ين القول: إننا نكتب لنسعد أنفسنا أولاً، ومن حولنا ثانياً، نكتب لإيصال رسالة للمجتمع والعالم كله، نكتب لنبقى على قيد الحياة، فتراكمات القراءة في نفوسنا تضغط على أعصابنا فنفرغها بالكتابة، لذا يعد القلم من أنجع سبل العلاج للمتضايقين، يفرغ شحناته على صفحات الورق ، وليكن صادقاً فذلك أحرى بشفائه مما هو فيه..
منذ اختراع الورق زادت الحاجة إلى الكتابة أكثر، وأصبح القلم شرهاً بيد الكاتب لدرجة أن اليوم الذي لا تكتب فيه ولو تغريدة في تويتر تشعر بالاختناق، وعلى الجانب الآخر هناك قارئ نهم يشغل يومه بقراءة شيء مفيد، وهكذا..
فأنا أكتب لأتحرر من القيود التي تكبلني كل يوم، فإيقاع الحياة السريعة يحتاج إلى وقفات، إبان انهماك كل منا في عمله، ومتطلباته ومتطلبات بيته وأسرته..
يقول أحد الكتاب الغربيين: أكتب لأن لدي عائلة، وهو يبرر بذلك حاجته إلى النقود..
وكان أرسطو يرى في المسرح القديم أنه تطهير للنفس من أدرانها، فأقول إن صحت العبارة إن الكتابة أشبه بعملية تطهير هي الأخرى، وغسل للشوائب والتراكمات والصدأ الذي يزداد التصاقاً بنا يوماً إثر يوم..
والعرب سابقاً تعد القراءة والكتابة عيباً، فكان أبو النجم العجلي الراجز في الجاهلية يردد :
أقبلت من عند زيادٍ كالخرفْ***
تخط رجلاي بخطٍ مختلفْ***
تكتبان في الطريق لام ألفْ***
فلزهده بالكتابة شبه الثمل بالذي يكتب مع العلم أن الكتابة تحتاج إلى مزاج صاح، لا مخمور..
وعندما هجا طرفة عمرو بن هند بقصيدة منها:
فَلَيتَ لَنا مَكانَ المَلكِ عَمروٍ***** رَغوثاً حَولَ قُبَّتِنا تَخورُ
والرغوث: هي الشاة المرضعة.
أرسل عمرو بن هند مع الشاعر طرفة بن العبد وخاله المتلمس رسالتين إلى ملك البحرين، كتب فيهما أن يقتلا، فأنفذها المتلمس وهو خال طرفة إلى أحد الصبيان وكان يقرأ فقرأ له أن فيها قتله، فهرب، عندما عرف أنه يحمل ورقة فيها (قطع رأسه) ونصح ابن أخته(طرفة بن العبد)، ولكنه أبى فمضى طرفة غير عابئ بما قيل، ولكونه لا يحسن القراءة والكتابة، -وهو شاعر من الفحول من شعراء الطبقة الأولى عند ابن سلّام- أصر على المسير إلى الملك الذي قتله بعد وصول الرسالة، فلو لم تكن من حسنات الكتابة آنذاك إلا تلك الفائدة لكفى..
الكتابة رسالة مفتوحة، وفن وصناعة..وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم في نشرها أكثر من عصر الطباعة الذي صار جزءاً من الماضي بعد أن كان اختراع الطباعة على يد الألماني غوتنبرغ فتحاً كبيراً..
اكتبوا لنقرأ المزيد ونتعلم ونتزود بالمعرفة، فلم تعد الكتابة مقصورة على تعلم الأبجدية فقط.