علمنا إياها دستورنا، وآمن بها حكماء حاضرنا وماضينا ومن سائر الأمم، وأثبتوها في آثارهم. حقٌّ أن أصل كل حي ذكرٌ وأنثى، زوجُ مورّثات. الثنائية أساس كل شيء. خير وشر، أخذٌ وعطاء، شرق وغرب. الكوكب والخلية والذرة والشعاع والصوت، لا تحصل تفاعلاتهم ومساراتهم وتأثيراتهم وغاياتهم إلا بالثنائية، وهل نظرية النسبية لأينشتين إلا ثنائية؟ روحٌ وجسدٌ، موجب وسالب، جناحٌ وهواء، إرسال واستقبال، لقاء وفراق.
قالوا إن الطاقة (أو الأشياء) لا تَفنى ولا تخلُق ذاتها، ظنوه اكتشافاً وهم ما زادوا عن إثبات الثنائية، فكل طاقة وحركة ومادة لا تبدأ ولا تنتهي إلا سالكةً دوائرَ تُفضي وتتشعب إلى غيرها، بهيئات أخرى نراها أو نسمعها أو نحسها أو نسجلها أو نفهمها، كسيلٍ يصير بئراً وصوتٍ ينقلب صورةً، وشعاعٍ يستحيل علاجاً. ومنطقٌ نستشهد به من قرون، هو أن الأمور تُعرفُ بأضدادها، بما يقابلها، فالزفير عكس الشهيق والعدو ليس بالصديق والقلق ضد الطمأنينة، فالثنائية إقترَانٌ في الكينونة وتمايزٌ في البينونة. هي صفة وخاصية الكون، هي النسبة في تحريك الأحاسيس والمقارنات، بين جديد وقديم، غريب ومألوف، وهل يكون متقدم أو أول لولا متأخر أو ثان؟.
ما أهون الغافل عن الحقيقة. ما أعمق نومة من يتكلم بلا استماع، ويدّعي بلا اطلاع، يتوهم الرقيّ بلا سبب، ويريد حياة سليمة بلا وعي العلم والأدب! منكِر الثنائية الحتمية الفطرية يجاهر ببلاهته، فكلنا يتقلب بين صواب وخطأ، قوة وضعف، وبين طعام وشراب ونتائجهما، فهل نعمى عن ذلك؟. الثنائية فينا ومن حولنا كل لحظة تثبت ألا واحد إلا الله الفرد الصمد الغني المتعال، جل شأنه.