الفقد؛ هو حالةٌ من الانكسار تصيب القلب متى ما اشتاق شيئًا لم يكن له، وقالوا هو "ارتحال جسد أحدهم وبقاء صورته عالقة تشرع للحنين أبواب قلبك متى ما اشتهى العبث فيه".

كثيرٌ مَن فقدتهم، وظننتَ أنك لن تبقى طويلًا بعدهم؛ أنّ روحك ستخرج بكلّ ما أوتيت من قوةٍ من أثر الألم؛ تريد استعادة أنفاسك فتخنقك الغصة؛ تحاول الكلام فتُكتم العبارات في صدرك، كلّ ما في جسدك يقاوم الانكسار لكنّ قلبك مستسلمًا تمامًا، وما معنى المقاومة أمام انكسار القلب!

أتعلم؛ كنت أظن أن كل من يفقد عزيز لن يعيش بعده عُمرًا، كنت أتعجب: أيعيش فاقد أبيه؟! أوَ يضحك من أمه ليست معه؟! أوَ يحيا من فقد بصره، صُمّت أذنه، بُتِرَت ساقه؟!

وها هم عاشوا وقد عشنا واعتدنا، نسينا أو تناسينا، المهم أننا بقينا على قيد الحياة، وخضنا في خِضمها، كُسرنا وجبرنا مع مرور الوقت، لا شيء يدوم، ألم يقولوا: "دعها للوقت فإن الوقت يحل كلّ شيء".

لكن؛ الفقدُ يا صاح ما كان مُقتصرًا على فقد الأحبة، هو باختصار ألاّ تجد روحك في اللحظة المناسبة، تخذلك أو أنت تخذلها، فأنتما في طريقين لا يلتقيانِ.

يُحكىٰ أنّ رجلاً ذو رأيٍ سديد وبأسٍ شديد، سابقٌ جيله، يضع له الآخرون كلّ اعتبار، هو سيد قومه رأيًا وحكمةً، وقعت على كاهله ابتلاءاتٌ عديدة، أفقدته لياقته في إكمال المسير؛ فتراجع عمن حوله، وكلما حاول اللحاق بهم، انتكست خطواته إلى الوراء، واستمر على هذه الحال حتى تعافى بعد سنوات؛ سنواتٍ من عمره، فحاول الاندماج مع أناسه لكنه عاشَ معهم من دونهم.

أتساءل لو أنه استمر سقيمًا إلى الأبد أفضل؟ أم أن يتعافى وينبت له جرح آخر من حيث لم يحتسب؟!

يا صاح ..

قد توجعك الظروف..

قد تختبرك الأيامَ كثيرًا..

قد تُحرم ما تحب..

وتجد كلّ ما لا تحب..

فإن حدث ذلك، وقبل أن يحدث

لملم نفسك، ابنِها بنيانًا مشيّدا

لا يكسره ظرفٌ عابر؛ وإن كان على قلبك حملاً ثقيلاً.

فإما أن تتعايش مع الفقد أو أنك تبقى ك جسدٍ خواء لا روح فيها.

أقول للذي فقد له قريبًا أو حبيبًا أو شيئًا عزيزًا، أو حتى للذين فقدوا أنفسهم -وهم كُثُر-، "لا تكبت عواطفك، فقدرٌ من البوح هو متنفس للأحزان". فلولا الحاجة إلى البوح ما كان هناك "دعاءً خفيًّا"، وما لطخ العابرون الجدران بالألوان، وما كتب الصامتون عباراتهم، أو تحدّث الثرثارون عن مواجعهم.

البوح قد لا يزيل لوعة الفقد لكنه يخفف من سطوته.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية