كثيرا ما نقول عن إنسان ما يسرح كثيراً بخياله، هذا منفصل عن الواقع، هذا حالم فقط، وستتهشم أحلامه على صخرة الواقع، وهلم جراً لا ندرك جيدا ولا نعي أيضا أن الخيال هو بداية كل فكرة أو نظرية أو اختراع ننعم به اليوم، فاختراع الهاتف المحمول لم يأت من فراغ، سبقه تخيل ودراسة وبحث وتطبيق وهكذا..

الخيال جزء مهم في أي مشروع، تخيل أنك تكتب قصيدة جميلة، وكيف تلقيها ويصفق لك الآخرون بحماس، وأنت لم تكتبها بعد، ستشحن نفسك بالأفكار الإيجابية، وستكون القصيدة لأنها أمر سهل بالنسبة للشاعر طبعاً، والتخيل يجمّل الواقع فيتخيل المرء أشياء إيجابية، ويعيش تفاصيلها في خياله، ثم تتحقق إذا ما دعمها بالأسباب..

وأبسط مثال على ذلك أنك لو أردت سفراً للعمرة مثلاً سيخطر ببالك مباشرة الإحرام، والسيارة، والحجر الأسود، والكعبة، وكيف ستطوف، وتحلق أو تقصر، فتنتقل بجسدك وروحك إلى البيت الحرام وأنت جالس في مكانك.

فالطيار الأمريكي جون هول الذي اعتقل في حرب فيتنام وضع في صندوق لمدة سبعة أعوام، ولكنه لم يستسلم فقد أشغل مخيلته بفكرة أنه يلعب الجولف، وهو في صندوق أسود مظلم، وبعد خروجه بأيام شارك في مسابقة لرياضة الجولف فحصل على مركز متقدم علماً أنه لم يمارس تلك الرياضة إلا من خلال تخيله، تخيل معي لو أنه استسلم لوساوسه لمات حزناً وكمداً، ولربما نسي اللغة التي يتحدث بها أيضاً..

يقول إينشتاين: "القدرة على التخيل أهم بكثير من المعرفة"

وكلنا يذكر قصة المريضين وكان أحدهما ممدداً على سريره، بينما كان سرير الآخر بالقرب من النافذة، ويستطيع رؤية ما في الأسفل فكان هذا القريب من النافذة يحدث زميله الآخر أن الأرض خضراء، مفروشة بالورود والفراشات تطير، والعصافير تنتقل من شجرة إلى أخرى، وهو لا يرى شيئاً، وبقي هذا فترة من الزمن مستمتعاً، وتحسنت حالته الصحية إلى أن خرج أحدهما من المستشفى وهو القريب من النافذة، وبقي الآخر مريضاً وقد ازدادت حالته سوءاً إلى أن مات. وجاءه صديقه لزيارته، فسأل عنه وأخبروه أنه مات، وسألوه كانت حالته جيدة عندما كنت بجانبه، وبعد أن تركته ازدادت حالته سوءاً فما الأمر؟ فأخبرهم أنه كان يحدثه عن الأرض التي بجوار المستشفى وكيف هي حديقة غنّاء، وهي ليس كذلك فقط لإشعال مخيلته بالصور الجميلة، وبث الطمأنينة والإيجابية في نفسه..

وفي السجن ألف ابن تيمية الكتب القيمة التي مازالت تتحدث عنه بعد وفاته بمئات السنين، لأنه حول السجن بخياله إلى قصر منيف ودأب على العمل والكتابة واجتهد يقول رحمه الله: "ماذا يصنع أعدائي بي؟ جنتي وبستاني في صدري أينما ذهبت فهما معي، سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة"

ولو لم تكن لقوة التخيل أهمية لما خصصت لها مايكروسوفت جوائز بملايين الدولارات سنوياً، إذ تقيم شركة مايكروسوفت للبرمجيات مسابقة سنوية للشباب من كافة أنحاء العالم، اسمها "كأس التخيل" أو" Imagine Cup" بهدف تطوير برمجياتها، وإيجاد حلول لبعض البرامج، وتستقطب كفاءات شابة سنوياً، وتشير التقارير إلى أن مشاركة الدول العربية ضعيفة جداً، وإذا ما شاركت فأبناؤها يخرجون من المسابقة في المراحل الأولى، وتعزو ذلك إلى افتقار مناهجنا إلى تدريب الطلاب على التخيل، إذ أن أغلب المناهج قائمة على الحفظ والحشو والتلقين..

يقول بول ويلسون في كتابه الصغير (للأمل) عن علاقة الخيال بالأمل:

" عندما تشغل عقلك بالخيالات وأحلام اليقظة، يصبح في مقدورك أن تقوي الأمل وبفاعلية أكثر مما ستفعله أي فكرة عقلانية ممكن أن تتصورها".

فالخيال هبة يمنحها الله للإنسان إن استغلها فقد تصل به حيث تقف همته، وإن أهملها نامت وماتت مثل أي حاسة أخرى..

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية