من الفطري ان يستوقفنا كل ما هو جميل: وجهٌ ذو ملامح جميلة أو زهرة ندية أو لوحة مرسومة بإبداع. لكن ماذا لو حاولنا أن نقف عند المناظر العادية التي قد لا ترقى لنفس مستوى الجمال؟ أو حتى ماذا عن تأمل ما نراه قبيحاً؟ قد يوجد الجمال حيث لا نتوقع.
قبل حوالي شهرين زرت معرضاً فنياً لطلبة كلية الهندسة من جامعة الكويت. وكعادة المعارض الفنية٬ حوى المعرض لوحات ومجسمات هندسية وغيرها من الأعمال الجميلة التي تأنس لها العين. كنت أتمشى على مهل من عمل إلى آخر حتى استوقفتني صورة مكبرة بالأسود والأبيض. لا شيء في اللوحة سوى أذن إنسان. كانت تلك المرة الأولى التي أمعن فيها النظر في أذن. كم هي جميلة! انحناءاتها المنسابة بتناسق وتموجات اللونين الرمادي والأسود .... وتلك الفوهة الغائرة في وسط الأذن وكأنها ثقب كوننا الأسود!
كنت قد قرأت قبلها بأيام مقالاً حول القبح وقيمته في حياتنا اليوم. حكى الكاتب أن قيمة القبح الحقيقية تكمن في أنه يستوقفنا لندرك الجمال بشكل جديد. فمثلاً إن كان أنف أحدهم كبير فبإمكاننا آن نتأمل الأنف بانحناءاته وانسيابيته ونعومة ملمسه فندرك جماله. ويخطر لي لو رأينا شجرة أوراقها صفراء بالية٫ فلنا أن نتأمل تجاعيد الورق وملمسه ولونه لنرى جماله كما لم نرَ في الوهلة الأولى. إن القبح جمال من نوع آخر.
زهرة في منتهى الصغر وفي منتهى الجمال
أتذكر أني في إحدى أسفاري - قبل حوالي ٤ أعوام - قابلت شخصاً وجدته - في تقديري- غير جميل أبداً. في الحقيقة- اسمحوا لي أن أصارحكم هنا- خفت في البداية- حين نظرت إليه.... ولعل هذا من فطرتي. لكن - وبعد اللقاء الأول- بات ذلك الرجل صديقاً لي. رزقتني الحياة مواقف عدة جعلتني أدرك كم أنه صادق يحمل في قلبه الكثير من الجمال. كان لطيفاً واثقاً من نفسه ومتعاوناً مع الجميع.
إن التركيز المبالغ فيه اليوم على الصورة والشكل يضعف عضلات العين والعقل عن تتبع الجمال إذا صغر. مواقف كالتي ذكرت أو غيرها قد تجعلنا ندرك أن ما يهم - في الحقيقة- هو قدرتنا على أن نجد الجمال وأن نوجده. فالأمر متعلق بأعيننا.
قد نرغب في أن نصبح من أصحاب الجمال حيث كان. نبحث في كل ما نرى عن جماله مهما صغر. لا لشيء سوى لأن الإنسان خلق الله الجميل ... ولأن الجمال فعلاً موجود بوفرة. إن تبني عادة كهذه من شأنه أن يحسن حياتنا ويسعد قلوبنا وقلوب من حولنا.... والقلب؟ هنيئاً له ... فالقلب يعشق كل جميل.