إنّ لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلّ شَيْءٍ عنده بأجلٍ مسمّى.
اللهم ألْقِ على نفوسنا السكينة بمصابنا الجلَل في وفاة المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح،
الذي انتقل إلى جوار ربّه في يوم الثلاثاء 12 من صفَر 1442هـ الموافق 29 من سبتمبر 2020م.
كلُّ نفسٍ للمنايا فرضُ عين *** أينَ لنا القلبُ الذي ينبضُ أَيْن؟
اللهمَّ لا تحرمنا أجره، ولا تفتِنّا بعده، وأثِبْنا في عَقِبه بفتحٍ قريب.
اللهم أعظمْ أجْرنا، وأدخله جناتك برحمتك يا أكرم الأكرمين.
اللهم نسألُك الرضى في أعزّ مواجعنا، فقد رحل عنّا ونحن في غمرة الخوف وفي أحلكِ الأيّام.
لم يكن الخلود له في الدنيا غايتنا، ولقد علمنا أنّ الحياة فانية، إنَّما نسألك تعالى حياةً خالدةً لهُ في ظلّ رحمتك، لا يشقى بعدها أبداً.
اللهم ارزقنا الصبر... اللهم إنا لا نقول إلا ما يرضيك.
يا والداً حمل همّاً ثقيلاً رغم تعبِ قلبه، وتوجّعَ متحمّلاً الشدائد من حوله، وتحمّل البأس مهما اشتدّ، لِيُثبتَ أن العوارض لابدّ زائلة وقتيّة. ولا عجب، فقد مرّ عليه قبل أن يكون أميراً للكويت -وحينما كان وزيراً للخارجية- أربعون عاماً، كانت أحلكَ من ذلك. فقد رأى في الأيّام من التجارب، ما جعله يستصحبُ الصّبر رجاءً بلا يأس، مطوّعاً للعقبات مهما كانت.. وكيف لا، وقد سار في كلّ أمرٍ صعب يقتفي الفرج بتوكّله على الله.
أدّبه الدهر، وحنّكته الأيام، وتشيّم بالسماحة والوفاء بعهدِ الله، فعرف أن لكلّ حادثةٍ أمداً، ولا حُكم إلّا لقضاء الله.
كان يسعى لدفع ضباب المُعضلات ليُهوّنها، فعُرِف بأقواله التي كان يردّدها مبتسماً: [ما لكَ غير الله من أحد]، [أبشروا بخير]، [الفارج الله].
كان ثاقب النظر، لا يحكم على شيء حتى يعرفه، كمنْ يختبر الطريق قبل أن يضع قدميه؛ فما أهمل حُجةً حتى استعان بها. وإن بحثْتَ عن فضيلةٍ أو مجدٍ في كلّ الرجال، فقد كان مجده الحقيقي تواضعه.
علّمنا أنّ قلبه الذي ينبض هو ذات القلب الموجود في صدور الآخرين حتى تتوّج بتواضعه أميراً للإنسانية.
كم كان لك -يا أبي- من عقلٍ حكيمٍ تأمّل، ومن قلْبٍ كبيرٍ تألّم.
رفعك الله إلى موقع المُحسنين من عباده، وإلى جَنَّات الخُلد التي لا لغو فيها ولا تأثيم، إلّا قيلاً سلاماً سلاماً.
أمّا عزاؤنا في مصابنا الجلل فما هو إلا أننا صائرون إلى ما صار إليه فقيدنا الكبير وكل من سبقونا إلى الدار الآخرة، وكما قال الشاعر وائل حمزة:
رقرِقْ دموعَك وابْكِ لكنْ أجْمِلِ *** لا الدَّمعُ يُجدي لا المصائبُ تَنجلي
إنَّ الإلــــــهَ مُــــــــقدِّرٌ أعمــــــــــــــــــارَنا *** منْ يستطِعْ دفعَ الرَّدى فليفْعلِ
لو كانَ فينا مَنْ يُخلَّدُ عمرُه *** ألفيتَ قبلَ الخَلْقِ أكرَمَ مُرسَلِ
لكنْ بنصِّ الآيِ: إنَّكَ مــــــيِّتٌ *** وكذاكَ: كُنْ، فيكونُ كلُّ مُؤجَّلِ
وإنا لله وإنا إليه راجعون.