تولي المؤسسات التعليمية في البلاد العربية اهتماما كبيرا للطلاب الموهوبين ويتمثل في ذلك في تكريمهم عبر جوائز التفوق العلمي والبرامج المتنوعة التي تديرها المؤسسات المختلفة. فمن هو الطالب الموهوب وكيف يتم اختياره والتعرف عليه؟

لقد تبلورت في العقود الأخيرة مفاهيم وتعريفات كثيرة للموهبة نتيجة جذب وشد ونقاشات ونظريات مختلفة. إن كثيرا من الأكاديميين ما يزالون يعتقدون أن الذكاء يمكن قياسه باختبارات معامل الذكاء IQ. ولكن في العقدين الأخيرين انتشر التعريف الأوسع والأشمل لما تعنيه الموهبة. وهذا التعريف يعتمد على نظريات الذكاء المعرفي الشامل كنظرية الذكاء المتعدد Multiple Intelligence التي ترى أنواعا متعددة للذكاء مثل: الذكاء اللغوي، والذكاء المكاني، والذكاء الموسيقى، والذكاء الجسدي-الحسي، والذكاء الرياضي المنطقي، والذكاء الشخصي البيني، والذكاء الانفعالي النفسي، والذكاء البيئي.(1) وهكذا لم يعد الذكاء والموهبة ينحصران في اختبارات الذكاء أو في التحصيل الأكاديمي فقط.

لقد اكتسبت نظرية الذكاء المتعدد شعبية كبيرة في الاوساط التربويةو العلمية، لأنها غيرت مفهوم الموهبة الأحادي المصدر إلى مفهوم متعدد المصادر. فمفهوم الموهبة المتعدد أصبح الآن شائعا ومعترفا به في معظم دول العالم التي تعنى بتطوير الفئات المتعددة الذكاء.أصبح يخص الأطفال ذوو القدرات الاستثنائية في واحد أو أكثر من مجالات الإبداع. وليس بالضرورة أن يظهر هذا الإبداع في التحصيل الأكاديمي. ليس امرا حتميا أن يكون الطالب الموهوب متفوقا علميا ويحصل على أعلى العلامات في الاختبارات. ولكن من الممكن أن يكون الطالب موهوبا دون أن يكون ممتازا في تحصيله الدراسي. وقد يتمتع بقدرات ومواهب لا تلاحظ أو تكتشف عن طريق الاختبارات العادية مما يجعل المدرس غير المؤهل عاجزا عن التعرف على الموهوبين بين طلابه.

فالطالب الموهوب هو الذي يظهر أيا من القدرات والاستعدادات التالية منفردة أو مجتمعة: قدرة عقلية عامة، استعداد أكاديمي خاص، تفكير إنتاجي أو إبداعي، قدرة قيادية استثنائية، استعداد فني بصري أو أدائي، قدرة حسية حركية. (2)

إن التعرف على الطلاب الموهوبين واجب مركب ومعقد .إن الأمر ليس بالبساطة التي يتم بها اختيار الموهوبين في مدارسنا حاليا. وإلا لكان الأمر سهلا جدا حيث يمكن للمدرس أن يسأل طلابه في الصباح من هو الموهوب؟ فليقف! وانتهى الأمر. إن التعرف على الطلاب أصحاب القدرات الاستثنائية لهو أمر بمنتهى التعقيد و الحساسية. وفي الواقع إذا توجه المدرس لطلابه بمثل هذا السؤال لتقدم الطلاب ذوو الأداء العالي في الاختبارات وسوف يتلكأ الموهوبون حقا لعدم وعيهم أو إدراكهم للمسألة وإما خجلا من زملائهم وخشية من التهكم والاستهزاء.

وبالطريقة هذه فإن كثيرا من المواهب تمر بلا ملاحظة وتبقى في طي النسيان. فالأطفال الموهوبون في السنوات الأولى في المدرسة من سن الروضة حتى السنة الثالثة لا يمكن الاستدلال عليهم أو التعرف على مواهبهم بالمفهوم الدارج عن ماهية الموهبة في مجتمعاتنا وذلك لحرص مدارسنا على تصنيف الطلاب منذ صغرهم. والأكثر من ذلك يظهر الطلاب الموهوبون على أنهم مشاكسون وأصحاب مشاكل يجب إسكاتهم ومنهم من لا دافعية أو حافز لديه، قلق يتحرك دائما في مقعده لا يركز على واجبه في معظم الأحيان. ومن هنا يختلط الأمر على المدرسين ويصنف الطالب عندئذ بأنه يعاني من نقص الانتباه أو النشاط المفرط أو صعوبة تعلم وغيرها من المظاهر التي قد تخفي وراءها الموهبة.

ونتيجة لذلك يتعين على المدرسة و على المعنيين بالتربية والتعليم على الأخذ بالمعايير والمفاهيم الجديدة في تحديد واختيار الطلاب الموهوبين. فليست إذن القضية هي قضية التحصيل الأكاديمي أو معامل الذكاء فقط بل المسألة هي مجموعة من المعايير تعتمد على مصادر متنوعة في اختيار صاحب الموهبة. فمن الممكن للمدرسة أن تعتمد معايير موضوعية Objective ومعايير ذاتية Subjective كما يلي:

المعايير الموضوعية:
• اختبارات قدرات عقلية مثل اختبارات معامل الذكاء (ستانفورد-بينيه) و ويكسلر
• اختبارات الإبداع مثل اختبار تورانس Torrance
• اختبارات التحصيل الأكاديمي واختبارات القابلية أي الاختبارات المقننة


المعايير الذاتية:
• ترشيح المدرس للطالب الذي يرى فيه موهبة في مجال واحد أو أكثر
• ترشيح الآباء والأمهات لأطفالهم الموهوبين
• ترشيح الزملاء لمن يرون فيه موهبة خاصة
• ترشيح الطالب لنفسه
• الأخذ بنتائج الإختبارات في المدرسة

وباختصار إن التعرف على الموهوبين يجب أن يكون عملية مستمرة لا تعتمد على قياس أو معيار واحد فقط ولكن يجب أن تكون شاملة لكافة المعايير التي سبق ذكرها. ويجب أيضا أن تشمل الصف بكاملة والمدرسة بكاملها وأن يقوم بعملية الاختيار فريق متخصص لتلافي العوامل الذاتية عند الاختيار قدر الإمكان.

...............
(1) Gardner, Howard, Frames of Mind: The Theory of Multiple Intelligence, New York: Basics, 1983
(2) Williams, J., “Identification of Intellectually Gifted Children” in First National Conference on the Education of Gifted and Talented Children, Melbourne, 1983.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية