هناك من يحصر مشاكل هذه الأمة في مدى تمادي الحاكم في سياسته الطغيانية واستحواذه على زمام القرار السياسي.. واستيلائه على مقدرات الشعب وسلبه كرامته ،ودفعه نحو العراء والجوع.وهذا صحيح ليس في ذلك من شك.لكن في واقع الحال أن الحاكم لم يأت من السماء أو خرج علينا من مجرة لا ندري من أين هي.وحتى الحاكم نفسه الذي نلقي عليه باللائمة على أنه انتقل بنا نحو الانهيار السياسي بتجريدنا من آدميتنا وقتلنا أدبيا قبل أن يقتلنا شنقا بعد أن نعيش أياما أو سنينا مع الجرذان داخل المغارات في سجون بنيناه بأيدينا.ليس أمامه صراحة غير تبني العمل الديكتاتوري حيالنا ما دمنا نعترف بأنه من جلدتنا ومن أبناء دارنا. وربما هتفنا بحياته أمامه أو أمام حاشيته.قديما قيل لفرعون " من الذي جعلك تتفرعن هذه الفرعنة.. فرد قائلا : وجدت من يرضى بي ربا فلماذا لا أتفرعن"وتوجد في إحدى المطارات الدولية لا أذكره توا " أن لا استعباد بدون عبيد" .فالعبودية الممارسة في حق الرعية والتي أضحت خيارا استراتيجيا لدى الشعوب كما لدى الحكام.. فالشعوب ترضى بالهوان خوفا من البطش والتشريد والحاكم يرضى ويتلذذ بالقهر والاستبداد كيلا ينفرط عقد الهيبة والوقار ويتمرد هذا الشعب الغبي.ويبقى الحبل مشدودا بين خوف شعبي وموات فيه قليل من الحياة وبين قهر يمتد إلى الأرزاق والأعناق وضيق في الأفق.ولكي ينهض شخص ليقول لا لهذا الوضع فإن الجميع سيصيح بأنه شذوذ وخروج على القاعدة العامة.ولهذا نجد الصعوبة الكبيرة في استنهاض الأمم .لأن استنهاض الأمم معناه أن الحق قد وصل إلى القلوب قبل العقول.وأن التفرقة بين ما هو منكر وبين ما هو مستحسن قد تمت وأصبح الباطل في جهة والحق في جهة أخرى وهنا تبدأ حقيقة المعركة الفاصلة.وقد قام بهذا الأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عندما بدأ بقتل الأفكار السيئة والعادات النتنة في قلوب أهل مكة قبل أن يكسر ما يحبونه.فجاءت رسالته لتقضي على كل الشرك في كل شبر من شبه الجزيرة العربية .ولو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ما فعله وانتقل نحو خلط الترتيب بتقديم فعل الكسر لأنحرف المقصد ودخلت رسالة الإسلام في جدل عقيم لا يعرف بعدئذ لماذا جاء الإسلام .ولتغلب فكر الإصلاح لدى الجاهلية على أن الرسول جاء ليكسر لا ليصلح.والفرق بين سيدنا إبراهيم عليه السلام والرسول صلى الله وسلم هو أن سيدنا إبراهيم أراد من تكسيره لكبير الأصنام ليقف الآخرون على حقيقتين :الأولى : أن الآلهة التي يعبدونها لم تكن تعقل ولو كانت تعقل لمنعته نفسها .. الثانية: ليبين للذين يعبدون من دون الله أن الآلهة جزء من تفكير العابدين وبالتالي تكسيرها مقدمة لتكسير الفكرة بدليل أن القوم تعقلوا برهة ليعودوا على ما كانوا عليه.و مما سبق يمكن الوصول إلى حقيقة مفادها أن العبودية قد تكون للبشر كما كان الشأن لدى فرعون وهذه العبادة ممزوجة بالخوف وليست خالصة قارة في العقل .. كذلك الذين كانوا يعبدون الأصنام فهي عبادة فيها خوف ولكنه خوف موجود فقط في عقول عابدي الأصنام .لأن محيطهم كان كله حرية وكله عربدة.والعبادة التي لا تكون لغير الله تصبح رباطا لكل شيء وتمنع الحراك نحو تحقيق الأهداف .كذلك العبادة لغير الله تقتل التفكير وتجعله محنطا لا يقدر حتى على تحسين معاشه.و قد يقول قائل وهاهي اليابان وهي أمة تعبد الأحجار وقد حسنت من معاشها .ونقول أن اليابان إذا لم يعبد الله كما يعبده المسلم فهو يقوم بتلقائية العبادة .فأعمال اليباني كلها متفقة مع ما جاء به الإسلام إضافة إلى ذلك أن عبودية الآخر زالت من تفكيره وأصبح يشعر بالأمان وأن أعماله كلها له وليس ولمن يخافه.وقد أقلع الأوروبيون حضاريا عندما تصوروا أن عبادة البشر تقتل المواهب وأيقنوا أن حرية التفكير هي التي تقود الإنسان نحو بلوغ الأوج الحضاري.فما بالنا نحن المسلمين الذين ندعي الإسلام وعبوديتنا لله الواحد الأحد ونحن في حقيقة الأمر لا نعبد إلا أنفسنا و الحاكم الآخر.وكم من فرد من هذه الأمة تناول عملا مع نفسه وأتقنه لا يريد لا جزاء ولا شكور من البشر؟. إن النهضة تنطلق لما يحس الفرد بأنه حر لا مملوكا لأحد وأن تفكيره مستمد من الطمأنينة والسكينة .وكل هذا لا يتأتى من العدم إذا لم يقم كل فرد فينا بمجهود ضمن الدائرة التي ينتمي إليها وحرك عقله وقلبه نحو تحرير نفسه ثانيا ثم تحرير الآخرين .ويوم يحرر المسلم نفسه من عبودية ممقوتة لا قيمة لها عند نفسه وعند الآخر. لأن لا أحد طلب منه العبادة لو لم تكن نفسه مهيأة تلقائيا لذلك.. ساعتئذ يأذن الرحمن بالنصر لأن الله يدافع عن الذين آمنوا.فهلا آمنا أم لما ًَ يدخل الإيمان قلوبنا... نسأل أنفسنا كلما خلدنا إلى النوم...