هناك أكثر من تساؤل تصادفنا ونحن بصدد مناقشة إشكالية الفنون التشكيلية والإسلام والعلاقة القائمة بينهما، أي علاقة الدين بالفن أو العلاقة بين المقدس والجميل.
ومن المعلوم أن الصراع بين المقدس والجميل قديم وظهر قبل الإسلام، إذ أن الأديان السابقة على الإسلام عاشت علاقة صدام وتصادم مع الفنون التشكيلية عموماً.
ومن المفكرين الذين تطرقوا إلى هذه العلاقة الفيلسوف هيجل. كما أن في العهد القديم- الإصحاح 20 جاء أنه "ملعون الإنسان الذي يصنع تمثالا منحوتا أو مسبوكاً". علما أن المتطرفين سواء في دائرة الإسلام أو دائرة اليهود دأبوا على مهاجمة الفنون التشكيلية، اعتباراً لانطلاقهم من الفكرة القائلة أن الجمال الأرضي الدنيوي، من مسرح ورقص وفنون تشكيلية ما هي إلا قذرات الدنيا يغوص بالإنسان في مستنقع الدنيا الآسن. ولذلك كان الفنانون ينعتون بالشياطين الذين يدعون الناس إلى الافتتان بالجمال المزيف والإعجاب به. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى أن الكنيسة ناصبت العداء البيّن مع الفنون والفنانين التشكيليين، إذ أنها رفضت لعدّة قرون تقبلها كشكل من أشكال التعبير الإنساني. وحتى عندما وقع تصالح بين الكنيسة والفن في نطاق الفن خادم للدين، ظل العداء بارزاً. إذ أن القديس "برنار" حرم الزخارف المعمارية والرسومات الجدارية لأنها قد تصرف المصلين وتلهيهم عن الخشوع والاستغراق في صلاتهم. كما أن النحات الإيطالي جاكومو مانسو مزخرف كاتدرائية القديس بطرس بروما حوكم لأنه ابتعد عن الموضوع المتفق عليه مسبقا مع رجال الدين والمجلس الكهنوتي لا سيما فيما تعلق بتمجيد القديسين والشهداء وإضفاء مسحة واقعية عليهم.
إلا أنه عموماً تمكن الفنانون الغربيون من حسم هذا الصراع لفائدتهم، باعتبار أن لغة الفن تختلف عن لغة الدين. فالإغريقي مال إلى الفن محباّ للحياة لا خائفاً منها، ونحت الأجسام حباّ للجمال وحاول الرسام التعبيري رصد الإحساس للوصول للجوهر وتمرد الفنان السريالي بحثاً عن الحرية وحلماً بها، وحاول الفنان التجريدي ابتكار لغة فنية مغايرة للمألوف. هذا ما قام به الفنان الغربي لكن ماذا عن الفنان المسلم؟
أوّلا وقبل كل شيء لا بد من التذكير إلى أن القرآن الكريم لم يحرم الفنون التشكيلية بنص صريح ولكن التحريم جاء عبر أحاديث نبوية واضحة وصريحة منها : "من صوّر صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ".
كل بأي منهج ومنهجية تعامل المسلمون مع الفنون التشكيلية في وقت انتشرت فيه علوم الفن والمدارس والمعاهد الفنية والمعارض؟
وكيف فك المثقفون المسلمون هذه الإشكالية لإخراجها من الاشتباك؟
لقد حاول البعض منهم تحليل كراهية الإسلام للتشخيص باعتبار أن الفنان المسلم رأى أنه مهما حاول أن يصوّر ويجيد التصوير فإنه لن يتمكن من بلوغ الكمال الذي يكون عليه صنع الله تعالى. وهذا رأي مردود كليا وجملة وتفصيلا باعتبار أنه يدعو إلى توقيف كلما من شأنه أن يحاكي الطبيعة، وبالتالي توقيف أي تطور علمي لأن مختلف الخطوات التي يحققها العلم بطريقة أو بأخرى نابعة من محاكاة الطبيعة (الطائرات، الصواريخ، ممافحة الأمراض، تحسين الإنتاج.....) .
وحاول البعض الآخر إظهار أن مفهوم الجمال الإسلامي "يتحدد في تدريب الذات الإنسانية على الانتقال من المحسوس إلى المجرد ومن التعدد إلى الوحدة ومن المتناهي إلى اللا متناهي ومن الجميل إلى الجميل إلى الجليل" (كتاب فلسفة فن التصوير الإسلامي لوفاء إبراهيم).
وفي هذا الصدد يعتبر البعض أن الفنان المسلم لم يختر التجريد وإنما أجبر عليه.
ولعل أجدى منهجية لتناول الصراع القائم بين المقدس والجميل هي تلك التي تعتبر أن التصوير المنهي عنه هو ذلك التصوير الذي يصرف عن
العبادة أو الداعي إلى الشرك. وقد ذهب البعض إلى اعتبار أن كلمة " الصورة" الواردة في الأحاديث النبوية في تعني التمثال وليس اللوحة رغم أنه جاء في حديث: " أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع لها وثناً إلا كسره، ولا قبراً إلاّ سواّه ولا صورة إلاّ لطخها".
وحاول آخرون التنقيب على أحداث ووقائع لمحاولة تبيان نوع من تراجع النبي (ص) كالقول مثلاً بموافقة النبي (ص) على الاتكاء على وسادة بها رسم أو ترك السيدة عائشة رضي الله عنها تلعب بالدمية وغير ذلك.
لكن ما يهم في هذا المضمار بالأساس هو أن الدين والفن ليسا متنافسين باعتبار اشتراكهما في كشف الحقيقة وتجميل الواقع.