قطب الرحى في كل معركة حضارية هو الفكرة . . سواء كانت المعركة الحضارية مقصودة لذاتها بعلم كل الأطراف التي لها خلفية مطروحة سلفا عن دوافع هذه المعركة، وإدراك بما ينجر انتهاء عندما تتحدد المعالم آخر المطاف. . و يظهر للعيان ما كانت هذه المعركة الحضارية تطلبه. أو كانت نفس هذه المعركة الحضارية مقصودة ولكن طرف واحد و وحيد هو الموجه ومايسترو التنفيذ. وتختلف الأدوات والوسائل باختلاف نوع الفكرة المراد إلقاءها في عاصفة المعركة . بيد أن مفعول الأدوات والوسائل يظل ثابتا ولو من الناحية النظرية عند كل من قرر خوض المعارك الحضارية . . لأن الغاية في النهاية تتمثل في حسم المعركة و بأقل التكاليف.
وليس الحديث دائما عن الأدوات والوسائل يفرض وجود مستوى فكري يكون في مستوى هذه الأدوات والوسائل . . فقد يكون ضعيفا هذا المستوى إلى جانب هذه الأدوات التي في الغالب تسهم في كسب الجانب المرئي من المعركة ليأتي ضعف التفكير أخيرا فاضحا مبرزا الهشاشة على كل الجوانب مرئية كانت أو مخفية. المسلمون اليوم وعلى مدار قرنين من الزمن صراعهم مع الطرف الآخر ، قد يكون الطرف الآخر هو نفسية المسلم ذاته لكن المقصود الطرف الآخر من يخالف رؤى المسلم ويسعى جاهدا لإجثتائه من على وجه الأرض كي يخلو له الجو يفعل ما يشاء- لم يخرج أبدا عن مربع الصراع الفكري ولو بدا في بداية المطاف مادي لدى العين المجردة . حتى الاستعمار الإفرنجي الذي اجتاح الديار الإسلامية مع نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين لم يكن للوهلة الأولى ماديا صرفا تتحكم فيه النزعة المادية فقط بحكم ما تحوز عليه الرقعة الجغرافية الإسلامية من موارد طبيعية حباها الله بها بل كان فكريا - وعندما نقول فكريا الخميرة التي تتشكل منها الأفكار لا تبتعد عن الأيديولوجيا التي هي عندنا نحن المسلمين تسمى بالعقيدة - يتوخى الغلبة الفكرية وهذا الذي تفطن إليه المفكر الكبير المسلم مالك ابن نبي بعد أن عايش الاستعمار ورأى كيف أن المستعمر يسعى جاهدا من أجل أن يبقي على المسلم في آخر الركب بحرمانه من التعليم والعيش الكريم وليس هذا فحسب بل اللجوء إلى سبل!
الإغراء لصده عن معتقده الإسلامي بتشويه سمعة الإسلام أو تشويه من ينقل هذا الإسلام . لكن مالك ابن نبي على قدر معايشته لهذا المستعمر وما يقوم به كل ساعة من أجل محو الذاكرة الإسلامية من عقل كل مسلم . إلا أن هذا كله لم يمنعه كمفكر تراءت له الأشياء على حقيقتها من مستواه الرفيع في قدرته على تحليل ما يحيط به بدقة من إلقاء التهمة على المسلم الذي قبل الخنوع واستسلم عن طواعية ولو فيها إكراه لطروحات هذا المستعمر فأطلق صفة القابلية للاستعمار على هذا المسلم الراضي بالوهن الاستعماري الرافض لكل تغيير.
لقد وضع مالك ابن نبي – رحمه الله- جميع كتبه تحت عنوان – مشكلات الحضارة - وابرز فيه كيف أن للمسلم القدرة الفائقة في أن يخلق لنفسه عالما كله حرية لو فهم سر الفكرة التي تجابهه في حياته. فمشكلة العالم الإسلامي معظمها يختزلها مالك ابن نبي في كلمة واحدة هي الفكرة . والمجتمع الذي لا يملك الفكرة لا يمكن له أن يتقدم في معاشه قيد أنملة ولو ملك أموال الدنيا وحاز على كنوز الأولين والآخرين. فبالفكرة يتم الإنعتاق وتتحقق الهبة الحضارية ويستوي السؤدد تحت الأقدام . ويتمكن الفرد من تحقيق الذات والاستقلال الاستقلالية الحضارية المميزة. ولهذا كان على المسلمين المبعثرين من خط طنجة – جاكرتا أن يدركوا عالم الأفكار وطبيعة الصراعات الفكرية لأن مستقبل وجودهم كله مشروط بما تصنعه الفكرة . وعلى كثرة كتب مالك ابن نبي التي لحد الساعة لم تسلط عليها الضوء بالكفاية المطلوبة من جانب المفكرين والعلماء، و كما ينبغي على الرغم من أنها كتب نفيسة وتمثل الكتالوج الذي يجب أن يتأبطه المسلم لو أراد بناء نسقه الفكري وأركان البيت الحضاري الذي يريد أن يكون مسكنه . ومالك ابن نبي كما وصفه الأخ الدكتور أحمد بن محمد خريج جامعة ا!
لسربون برسالة دكتوراه اسمها الحكم في القرآن أنه مفكر مهمته البناء على عكس الشهيد السيد قطب الذي هو مفكر لكن مهمته تقتصر على الهدم أي هدم كل فكرة كافرة فعلى الرغم من كل الكتب التي كتبها مالك ابن نبي وجلها محتواها تتمحور حول أهمية الفكرة . . فإننا ندعو ليس القارئ البسيط فقط بل كل باحث يريد أن يفهم أجواء المستعمر- الذي يبدو اليوم غائبا لكنه حاضرا ربما في الوجدان وأفعاله شاهدة عليه مهما قال القائلون لنا أننا نهذي-إلى تصفح كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة الذي يلقي الضوء على كل ألاعيب المستعمر في احتواء المشهد الحياتي لكل من هم تحت قبضته. ولو أن الكتاب يعد المحاولة الأولى لمالك ابن نبي في كتابة اللغة العربية غير أن ما يحتويه هذا الكتاب يعد أنفس من المعلقات العشر خصوصا وأن العالم الإسلامي اليوم بحاجة لفهم واقعهم أكثر وما يحاك ضدهم وباسم الفكرة . وإن بدت طبعة الكتاب قديمة تعود إلى سنة 1960 فهي جديدة في أفكارها نبراسا في زبدتها. . تصلح لكل زمان ومكان.
وحتى القول أن الكتاب قديم هو ضمن الصراع الفكري حسب مالك ابن نبي . ولهذا فإن مدارسة كتاب مالك ابن نبي الصراع الفكري في البلاد المستعمرة يفتق العقل الحصيف ويجعله على بينة من أمره ليس على مستوى محيطه الضيق بل على مستوى كبير يشمل الآماد . . ومن أقدر على حكم العالم بعدل من مسلم يدرك معنى العدالة ويفهم أبعاد مدلولاتها . زيادة على كل هذا الفهم العميق لطبيعة المسؤولية التي يحذر مالك ابن نبي من دخول معركتها بغير طائل وفي هذا الشأن يقول ويتبين من خلال بعض الموازنات أن عهد المعارك الوهمية ضد الأشباح لم حينما خسرنا معركة وهمية ينقض في العالم الإسلامي ، كما رأينا ذلك سنة1948 ضد شبح اسمه إسرائيل، كان يحركه أمام أبصارنا ( المسحورة) ذلك الحاوي الماهر، المستر تشر شل وتلميذه الشاطر ترومان . أو بكلمة واحدة ، إننا لا زلنا مستعدين لنصرف من الوقت و المال و الفكر دون جدوى . ويجب أن نضيف إلى هذا أنه كلما وضعنا أنفسنا في فصل كهذا ، فإن الاستعمار سوف يكلف الاختصاصيين في لعبة الظل ، ليصور لنا معركة خيالية تصرف المسؤولين في البلاد
الإسلامية عن المشاكل الحقيقة . وهذه الحقيقة الحالية التي يعيش فصولها المسل!
مون انصراف كلي عن المشاكل الحقيقية ومسؤولية مجردة من الإلزام والتبعات. . وحتى قضية الساعة غزو العراق واحتلال فلسطين لا يمكن لها أن ينتصر السلام فيها إلا على جبهات الصراع الفكري كما يقول مالك ابن نبي إن انتصارات السلام تتقرر في جبهات الصراع الفكري . إن كتب مالك ابن نبي جديرة بالقراءة في هذا الظرف العصيب الذي فيه أمة الإسلام . .والكتاب المعنون بالصراع الفكري في البلدان المستعمرة ربما يكون ابتداء. . لنقف على حقيقة المخطط الماكر الذي يريد الاستعمار أن يلقينا في جبه …….