إذا كانت العلمانية تقول:
1 ـ مصلحة الإنسان وكرامته فوق كل شيء.
2ـ تحرير الجانب الواعي من العقل ( تحرير الفكر).
3 ـ بناء دولة الديمقراطية والحقوق فهي والإسلامُ سيّان. فيما يتعلَّق بالفقرة الأولى، أعتقد أن الإسلام دعا إلى ذلك قبل العلمانية وغيرها من التيارات فالإسلام كرَّم الإنسان بغضِّ النظر عن الجنس والدين والمعتقدات واللون والطائفة (ولقد كرَّمنا بني آدم ...) هذه الكرامة لا تكون إلا في ظل حرية ( العقيدة والعمل والتعليم والأمن والتملك). وبغياب إحداها يفقد الإنسان كرامته بل إنسانيته.
أما الفقرة الثانية ، فهي ليست وليدة الغرب ومفاهيمه؛ لأن الإسلام حين جاء، جاءَ ليُحرِّرَ العقل من الظُلمات ( الخرافة والجهل والتقليد) إلى النور ( المعرفة والعلم والعمل بموجبهما) . فكل سلوك لا يرتبط بالوعي أو الإدراك منهيٌّ عنه في الإسلام، وكل سلوكٍ كان بالإكراه (حتى ولو كان هذا السلوك يتعلق بالعقيدة) أيضًا منهيٌّ عنه في الإسلام ( لاإكراه في الدين). إنه بذلك أي الإسلام لم يفرض عقيدة خاصة، بل ودعا الإنسانُ إلى أن يتخذَ قراراته بحريةٍ تامة دون اضطهاد أو خوف أو إكراه أو تهديد.
أما فيما يتعلق بالديمقراطية؛ فإن الإسلام يخاطب الناس في كل مكان ( على عكس القوانين الوضعية التي تخاطبهم في حدود إقليمية أو جغرافية معينة) ناهيك عن أنه يُنظِّم أنواع السلوك الإنساني وعلاقة الفرد بالفرد والفرد بالأسرة والأسرة بالمجتمع والأخير بالحاكم والدول ببعضها البعض في السلم والحرب. أي إنه بذلك يهدف إلى بناء مجتمعات القانون الأسمى بموجب نظام أو مبدأ (الشورى) الذي يضمن للإنسان حقوقه وحرياته وكرامته . وعليه؛ يمكننا الحديث عن إسلامٍ علماني/ علمانية إسلامية / أسلمة العلمانية / علمنة الإسلام. من أجل فهم الحياة والتطورات لابد من اللجوء إلى الوعي ومن أجل بناء مجتمعاتنا لابد من الاعتماد على الوعي. هذا الوعيُ الذي يقوم على المعرفة والشك والنقد والجدل والتجربة فالإدراك فاليقين؛ بمعنى آخر، إن بناء المجتمعات لا يتم وفقَ رغبة وإرادة الآلهة المتمثِّلة بأنظمة أو منظومة استبدادية سياسية المضمون فقهية أو دينية الشكل. إنما وفقَ فكرٍ نقديٍّ ونقدٍ فكري حر.
ماذا عن فشل التجربة الإسلامية والاشتراكية والعلمانية وغيرها من التجارب الأخرى؟
1 ـ إنها جميعًا تتعارض وسياسة الأنظمة الحاكمة الاستبدادية.هذه الأنظمة التي باغتصابها مراكز القرار خدَّرتْ الوعي الجماهيري بـ (التفاوت الطبقي، الصراعات، الفساد، الجريمة، الطائفية، المذهبية وهلم جرًّا) فشلَّتْ جميع نواحي الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والروحية ( فاتَّبعتْ الشعوب الأصوليين السلفيين الذين لا يهمهم لا تحسين شروط العيش ولا أي تقدم أو بناء) وبذلك سحقتْ إنسانية الإنسان فأصبحَ مهمَّشًا لا يعيشُ اليأسَ والضياع فقط بل موته على قيد الحياة.
2 ـ إن تطبيقَ العلمانية في مجتمعاتنا لم يكن ديمقراطيًّا، إذ لم يتم الاستفتاءُ عليها من قبل الشعوب التي حتى الآن ترفضُها لغلبة الفكر الأصولي فبقيتْ هذه التجربة غامضة مهمَّشة وبعيدةً عن المطلب الجماهيري والفكرالعام.
3 ـ إن قمع الحريات هو سبب من أسباب الفشل ( فرنسا وموضوع الحجاب نموذج) . فالعلمانية ترتبط بالحرية ومصادرةُ الأخيرة قطعًا سيؤدي إلى فشل الأولى ما انعكسَ على مجتمعاتنا ( المحكومة بعادات ومعتقدات وتقاليد وتصورات وفلسفة جاهلية تظنها الغالبية بأنها ثقافة إسلامية) فأصيبتْ بالهلعِ الأكبر لمجرد سماعها العبارة التي أذهلتْ كل مرضعةٍ وأخرجتِ الأمواتَ ـ الأحياءَ من أجداثهم.
4 ـ سيادة الخطاب المتطرِّف؛ هذا الخطاب الذي يؤدلج الإسلام بهدف تسييس الدين وبالتالي تعبئة الناس ضد الغرب وتجاربه ومفاهيمه. فتلك الأيديولوجيا السياسية (الإسلاموية) أخرجت النصوص الدينية من سياقها الحقيقي لاستخدامها بما يخدم أغراضها السياسية فـاتَّبَعَ الناس أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد. بدليل انتشار بل السماح بالمخدرات والسلاح والفساد العام .....إلخ؛ بغية تحكُّم هذا الفرعون واستحكامه وإحكام قبضته على الشعوب.
5 ـ انهيار الاشتراكية وسيادة الرأسمالية المعولمة ناهيك عن التمزقات النفسية والاجتماعية بسبب الحروب والدمار .
نهايةً؛ إذا كانت الديمقراطية نظامًا يحقق التداول على السلطة والأمن من الجور والظلم والاضطهاد ومنح الشعب وسائل ضغط على الحاكم أو تغييره في حال عدم تلبيته رغبات الشعب. وإذا كانت نظامًا يحول دون انفراد جماعة أو مجموعة أو عصابة أو عُصبة بالتحكم في مصير الشعوب . وإذا كانت العلمانية نظامًا ضد العبودية والاستبداد، ضد الجهل والخرافة والتخلف والجمود. فالإسلام ( بمبدأ الشورى) هو الديمقراطية كلها والإسلام ( بأحكامه الشرعية ـ المعاملات ) هو العلمانية ذاتها، لهذا كانت الأنظمة والقوانين في بلداننا ( وضعية) لأنها تخدم الفكر الأصولي الرجعي الذي أنتجَ الإرهاب والفساد فتمزَّقتْ مجتمعاتنا وانهارتْ من الداخل.