المقال البياني أو البيان المقالي الذي نشرته الحقائق مؤخرا للسيد المتوكل طه بعنوان " حرية التعبير المقهورة " بصفته الشخصية كشاعر وكاتب فلسطيني وتتابعا بصفته التي أدرجها كأمين لاتحاد الكتاب الفلسطينيين في الداخل لفت انتباهاً خاصاً لدينا لعدة أسباب نجدها تستحق بعض الإضاءة من حولها. قبل الشروع في تعداد جملة هذه الأسباب اللافتة نود أن نشير إلى موضوعتين اثنتين في هذه المسألة يحسن البدء بهما.
أما أولاهما: فهي موافقتنا التامة بل ونزوعنا إلى التأييد الكلي لإطار دعوة السيد طه في معرض الحرص على حرية التعبير والخلوص إلى اعتبارها قضية مقدسة لا شكَّ في هذا أياً يكن زمنها ومكانها ومهما يكن خصمها الذي يبادرها إلى الخصام فالعداء فالقطيعة وتوابعها، ومعه أيضا في اعتبار حرية التعبير خاصة للتجربة الفلسطينية فريضة وسنة ونفلا ليست منة من أي جهة كانت بل هي واجب كما هي حق مقدس تقترن بالنضال اقترانها بدماء الشهداء وتقترن بالإنجاز اقترانها بعناوين كبرى لعلَّ أولها هو موضع الحركة الأسيرة في هذا التفصيل وتقترن بالأمل والهدف اقترانها بغياب كل الخطوط الحمر والسود أمامها وأقتبس هذا عن أخي الراحل الشهيد "ناجي العلي" وهو يافطة هذا الموضوع تحديداً ومن يستطيع أن يكفر بهذا فليعلمنا!
وأما ثانيتهما: فحرية التعبير الثقافية تحديداً كانت ولا زالت المقياس الحقيقي الذي يحدد طبيعة الجسم المركب الذي تشتغل عليه وتشتغل منه، وهي الباروميتر الأصدق لقياس صدق وإخلاص التوجهات في هذا المركب ودرجة النقاوة فيما يحكم حركته وخيارات اتجاهات هذه الحركة أيضا، وهي بعد ذلك كله وقبله كانت المحدد الرئيس لمعرفة درجة نضوج اليافطات المرفوعة في هذا المركب ودرجة تطورها بالضبط كما درجة قدرتها وثقتها بنفسها وبما هي قائمة عليه من واجبات وما هي مؤتمنة عليه وما هي فاعلة لتحقيق خيره ودرء شره، هذا الأمر بات ناموساً حقيقياً يعتلي درجات اليقين فوق القانون الطبيعي وفوق مختلف التنظيرات والتأويلات التي قد تحاول شطارة أصحاب الغرض والغايات في التقليل من شأن ذلك من أجل إيجاد الفتاوى العاجلة للدوران حول هذا الحق لباطل يمدن لسانه ويلعق بشفتيه !
بعد ذلك لا يفوتنا أن نشكر لطه هذه المقدمة الجميلة في شأن الحرية واقترانها بالكرامة والتكريم الإلهي للبشر وللإنسان بدءاً حيث هي باب العقل المفضي إلى المعنى الحقيقي في مناط التكليف وإن كان ما يختصر كل ذلك هو شعار قديم جديد ما انفك متجدداً جاء على لسان أحد العمرين الذين استجاب الله لدعوة نبيه فيهما فاختار عمر بن الخطاب فاروقاً لدينه وهو يقول في وجه عمرو بن العاص وولده" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" ؟!
في ذات الوقت يحسن أن نذكّر بأن مقالاً بيانياً أو بياناً مقالياً كنا قد أدرجناه في هذا الموضع في السابع من آذار لهذا العام نناشد فيه كلاً من المثقفين والسياسيين معاً في هذا الشعب وكان من المصادفة أن يكون عقب حوارين أجريا مع كل من السيد المتوكل طه يوم كانت له الولاية على بيت الشعر وعلى المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي التي يبكيهما أخونا العزيز طه هنا في مقاله هذا ومع السيد رشاد أبو شاور بصفته رئيساً للجنة التحضيرية لتجمع الكتاب والأدباء الفلسطينيين، ولم يكن بياننا المقالي هذا أو إن شئت مقالنا البياني حاملاً ما حمله لنا به السيد طه من تفصيليات لملامح وإشارات نعترف بهذا ولكنه كان مجملاً في مربط الفرس كما يقولون حتى لا يأتي وضع مثل هذا الذي قام يندبه فينا السيد طه تالياً.
يبدو لي أن مقال لآذار البياني الذي أشرت إليه لم يستدرج من السيد طه يومها ما يقيه اليوم هذا الندب الذي أسمعنا إياه، فلربما لو شاركنا السيد طه يومها ما حذّرنا منه وما طالبنا به لأمكنه على الأقل أن يسجِّل وقوفاً مبكِّراً من أجل منحه على الأقل صفة الأولين في المهاجرين أو الأنصار حتى إذا ما ادلهمَّ الخطب قلنا والله إن في الرجل لدلالة على ما يتيح مصداقية القول والفعل فلا نجد أنفسنا اليوم مضطرين للنزوع في التشكيك من خلف السؤال الكبير وهو السؤال الذي بغت فرعون حينما سمعها: أألان يا فرعون ؟!
طبعا أرجو من القاري الكريم أن يأخذ ماهية النص واستشهاداته هنا وما فيه على محمل الاستعارات الفنية الخالصة لوجه الله تعالى فهي لا تريد تشهيراً ولا ذماً ولا قدحاً ولا إساءة ولا تشفياً ولا مراوغة ولا أياً مما هو ليس فينا ولسنا حريصين على نفيه عنا هنا إلا ذباً عن غيرنا قبل الدفع عنا، وطالما أنا في هذا الموضع الذي يتطلب منا أولاً وأخيراً أن نكون على يافطة أخينا وحبيبنا الشهيد ناجي العلي من الحراس فليعلم الجميع أن لا خطوط من أي لون ومن أي فرشاة في حق أمانة الحرف وأمانة وشرف الكلمة من هنا ولكل هناك !
نعود إلى جملة الأسباب التي تستحق الإضاءة من حولها.
أولاً: دعونا نسأل السيد طه هذه الجملة من الأسئلة في التوقيت وقضيته:
- لماذا الآن ؟
- هل القضية أصبحت ساخنة فقط بعد حذف بيت الشعر ومؤسسة الإرشاد ؟!
- هل هي صارت ساخنة بعد توقُّف أقواس وشعراء السيد طه وأصدقائه ؟!
- أم هي غدت كذلك نظراً لأن لم يتسلم الاتحاد العام للكتاب موازنة طيلة أربعة عشر شهراً ؟
- وماذا استجدَّ فعلاً في جوهر الممارسة حتى استنفر الأخ طه قرطاسه وظباه لهذا الأمر المقالي البياني ؟!
- أم ترى المسألة غدت وعياً مفاجئاً في أهمية حرية الرأي وتطوراً في اكتشاف مدى مقهوريتها؟!
- أم أن هناك ما فجّرَ صاعق الشكوى!؟
هذه الأسئلة نتركها في رعاية الأخ متوكل طه وعهدة معرفة القراء وحدسهم أيضاً...!!
ثانياً: بعد التوقيت لا بد أن نسأل الأخ طه أسئلة أخرى تتعلق بالممارسة الخاصة به هو:
- هل كان بيت الشعر يا أخ متوكل مثالأً يحتذى في رعاية حرية التعبير المقهورة؟
- هل كان بيت الشعر والمؤسسة المحذوفة - بجرة قلم – قبل حذفها مثالاً في الممارسة الثقافية السليمة وفي الشفافية وفي رعايته للأدب والثقافة الفلسطينية الحقيقية ؟
- هل كانت هذه المؤسسات فيما تصدره وفيما تصرفه على نظافة ؟! ثم هل كانت فعلاً للشعر الفلسطيني والثقافة الفلسطينية بمقياس النزاهة والإخلاص والحق ؟!
- هل قامت على صيانة حقوق الأدباء والكتاب والمثقفين الفلسطينيين في أن تكون لهم دون شروط خاصة وقوائم خاصة بدورها ؟
هذه الأسئلة تعني أنه قد تعذَر علينا أن نجد لها دليلاً واحداً يمنعنا من سؤالها ويشفع للسكوت عنها..!!
ثالثاً: الممارسات الرقابية من (الهوامير) الإعلامية في بروجها الفارغة والتي شكّلت ولا تزال فضيحة للنضال الوطني الفلسطيني بدءاً من الصحف والمطبوعات ووصولاً إلى السيد تلفزيون فلسطين وقنواته الأرضية والهوائية والتي وردت هنا هي غيض من فيض لا شكَّ عندنا في ذلك ونحن أسلفنا اتهامنا وأسلف قبلنا ومعنا عدد لا بأس به من الأصوات الثقافية الفلسطينية لها وكتب غير واحد محذّراً ومنذراً فما سمعنا إبانها صوت الأخ متوكل ولا صوت غيره ممن كان يعنيهم ويفترض بهم أن يكونوا في المحذرين آنذاك، فلماذا حليت هذه الممارسات دهراً وأمكن التغاضي عنها وهي في مهدها وساءت اليوم بعد أن أصبحت أحد وجوه الفساد والفاسدين والمفسدين ؟! أترى هذه القوائم قد طالت اليوم الأخ متوكل أو أحد أحبائه مثلا ً؟!
رابعاً: الممارسات الأمنية التي يذكرها البيان وطبعا يغفل أن بعضاً من هذه الممارسات كانت أصلاً قائمة على تقارير النكاية والكيد التي كانت تصل لبعض هذه الأجهزة من موظفيها الكتابيين وبالمناسبة وفائدة في فقه اللغة ودلالتها هناك كتبة وهناك كتاب وأدع الأمر للقاري ليمارس غواية البحث حولهما مع أن مفردتهما واحدة –كاتب- !
فهل أصدر الاتحاد مثلا أو أصدر بيت الشعر أو المؤسسة الملغاة أو نشرت يوما الأقواس والشعراء بيانا واحداً أو إشارة واحدة لهذه الممارسات الأمنية على مدار تاريخ وجودها الرعوي السابق ؟! ولماذا حينما كانت موجودة هذه جميعا لم تحفل بمشاريع صحيحة وسليمة ومحقة نعلم أن قد اقترحت من أجل "مؤسسة وطنية للنشر والتوزيع، تقوم بطباعة عشرات المخطوطات المتراكمة، والتي لم يجد أصحابها عنواناً لرعايتها !!" !
وقبل ذلك وبعده لماذا لم تكن هذه جميعا هي العنوان لهذه المخطوطات حينما كانت قائمة ولماذا لم ترعاها هي بدورها ورعت أخرى لا تستحق الحبر الذي أنفق عليها في معظمها ؟!
خامساً: كيف يمكن أن نفهم دعوة في سبيل ثقافة فلسطينية حقيقية وفي سبيل "حرية تعبير" ومن أجل "المقهور" منها في ظل سعي سابق عمل على تفتيت الناصع في هذه جميعاً بل والتعريض بها خدمة للشاذ من وضع قد كان وبعضه اليوم ازداد طغياناً وإسفافاً وقبحاً واختطاف يافطات هنا وهناك لاتحادات باسم هذا النفر المدعى الوقوف من أجل حقوقه اليوم ولهفة على وضعه المعيشي أوالوظيفي أو الانتمائي أو ما شئت بسبب مواقفه وبسبب آرائه !!
كيف يستقيم الظلُّ والعود أعوج ؟!
ما هذا المنطق ومن يريدنا أن نصدِّق مثل هذا الهراء؟!
أود أن لا أتابع حيث أحسست فجأة بقرف بالغ – مع الاعتذار عن هذه المفردة- فالأمر أصبح فعلا مما يستوجب القرف والشعور بالألم الحقيقي أن تصل تجربة الثقافة الفلسطينية إلى هذا المنحدر وهذا المستوى وهناك الكثير مما يمكن أن يقال ولكن نمسك هذه اللحظة رأفة بمشاعر القاري الكريم أما عن قصة التخجيل والإخجال فتالله لقد أثخنتمونا عاراً وأورثتمونا شناراً.
على كل نتفق أيضا مع السيد المتوكل مرة أخرى على جزء مما ختم به مقاله البياني أو بيانه المقالي وتحديداً في "وإن الكتاب والأدباء والأكاديميين والمبدعين والفنانين الفلسطينيين يشكّلون الواجهة الأكثر إشراقاً وتعبيراً عن حيوية " وأما الباقي منه فلا يعنينا لأن لا أحد مهما كان اسمه ورسمه بمقدوره أو يستطيع أن يضع حرفاً مبدعاً حقيقياً في أي مكان لا لأعلى ولا لأسفل وهو بالقطع ليس لأمام وليس لخلف، فهذا الحرف مجبول بعرق ودم ونبض مبدعه من أجل فلسطين فقط وليس من أجل نظام ولا من أجل تنظيم ولا في سبيل غرض ولا بارك الله في أي من هذه جميعاً إن لم تكن من أجل فلسطين وما كان من أجل فلسطين فهو الأعلى والباقي هو الأدنى للخلف ولأسفل ولمزبلة التاريخ وإنا نحذّرْ..!