لدي استشكال يتبعه سؤال. استشكالي هو في نفوري من ضرب المرأة مطلقًا، ولاعتقادي أن الضرب لا يليق بحرٍ بالغٍ عاقلٍ ولا بحرٍة بالغةٍ عاقلةٍ أيضا.

وسؤالي الذي أطرحه هو: هل يجوز لولي الأمر إلغاء الضرب من لائحة العقوبات المشروعة والتي أجازها الشارع للتعامل مع المرأة الناشز؟ كان للشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - برنامج يبث من الإذاعة السعودية بعنوان "مسائل ومشكلات". كان البرنامج يتلقى أسئلة المستمعين ومشكلاتهم، فيجيبهم رحمه الله بما يسر الله له من علم وفقه، وطرافة في كثير من الأحيان.

تذكرت هذا البرنامج عندما كنت أفتش عن عنوان يعبر عن فكرة هذه السلسة من المقالات التي تحوي أسئلة واستشكالات عصي علي فهمها ومتعلقة ببعض أمور ديننا.

أول هذه الأسئلة متعلقة بحكم ضرب المرأة الذي جاء السماح به في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (سورة النساءالآية34).

لا أكتب هذا للدفاع عن هذا الحكم، ولا للتبريره، ولا لتأويله، ولا لمعارضته.

لدي استشكال يتبعه سؤال. استشكالي هو في نفوري من ضرب المرأة مطلقا، ولاعتقادي أن الضرب لا يليق بحرٍ بالغٍ عاقلٍ ولا بحرٍ بالغةٍ عاقلةٍ أيضا.

وسؤالي الذي أطرحه هو: هل يجوز لولي الأمر إلغاء الضرب من لائحة العقوبات التي أجازها الشارع للتعامل مع المرأة الناشز؟ ويترتب على ذلك، في حالة إلغاء الضرب، أن يمنع الرجل من اللجوء إليه، ومعاقبته علىاستخدامه الضرب وسيلة تأديب. ومن الضروري في هذه الحالة، لو ألغى ولي الأمر ضرب المرأة من العقوبات المصرحة، أن يتم تقنين الأمر بحيث تتضح للضارب النتائج المترتبة على ضربه، بحسب شدته والمكان المضروب، وبحيث لا يترك الأمر للقاضي كي يحكم برأيه الشخصي إما تشددًا وإما لينًا، وبحيث تعرف المضروبة حقها في أن لا تضرب وكيف عليها التصرف إن ضربت.

أحسب أن إلغاء عقوبة مقررة في القرآن الكريم أمرا ليس سهلا، ولكن هل هو غير وارد مطلقًًا؟

سأكتفي في هذه العجالة بالتطرق إلى أمرين يحملان بعض الشبه بالموضوع الذي أطرحه هنا: الأول إيقاف عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إعطاء الزكاة للمؤلفة قلوبهم، والثاني قيام الملك فيصل – رحمه الله – بإلغاء الرق وتحرير الأرقاء.

عمر – رضي الله عنه – رأى أن مصرف الزكاة الذي حدده النص القرآني والخاص بالمؤلفة قلوبهم ما عاد ينطبق على واقع المسلمين بعد أن قويت شوكة المسلمين وما عادوا بحاجة لتأليف القلوب بالمال كما كان الحال عليه إبان نشوء دولة الإسلام.

وفي حالة الملك فيصل – رحمه الله – فقد ألغى الرق في المملكة العربية السعودية وحرر الأرقاء فيها. ومعلوم أن الإسلام أغلق جميع أبواب الإسترقاق غير واحد وشرع العتق وسيلة إلزامية للتكفير عن ذنوب عدة وندب تحرير الرقيق مطلقا. فالقرار الذي اتخذه الملك فيصل – رحمه الله – ألغى الإسترقاق الذي سمح به الشارع وحدده بطريق واحدة.

ولست أزعم أن الشبه مطلق بين أمر السماح بضرب المرأة، بناء على تصريح الشارع بذلك عند فشل وسائل التأديب الأخرى، وبين أمر مصرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم أو السماح بالإسترقاق.

ولكن ألا يقدم لنا المثالان المذكوران أرضًا صلبة لنقاش موضوع السماح بضرب المرأة، ثم السؤال عن شرعية إلغائه من قبل ولي الأمر؟

والله من وراء القصد

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية