السلطة: بمعناها العام هي أي وجود متطفل يعتمد على غيره في وجوده واستمراره، وفي معناها السياسي، هي قوة في المجتمع ناتجة عن تطفل مطلق على المُنتج الاجتماعي (جيش، مال، إدارة)، وفي اللحظة التي تولد بها تولد معها عناصر انهيارها، وأحد أشكال تلك العناصر – المعارضة، وهي فعل حتمي مضاد للسلطة لما ينهب من قوى المجتمع. وبتفصيل أوسع:
في المجتمع ثلاث قوى هي:
- السلطة.
- المعارضة.
- المجتمع ككل.
1 - السلطة في المجتمع: هي القوى التي تدير أمور الدولة عبر البوليس والجيش ووسائل تمويلهما من بنوك ومؤسسات بيروقراطية مختلفة، تكون قادرة على ضبط المجتمع والمعارضة في آن معاً إلى حين، وشرط استمرارها، أن تكون قوتها راجحة على قوة المعارضة والمجتمع في آن معاً.
2- المعارضة: قوى اجتماعية حتمية مضادة للسلطة، لديها مشاريع وأهداف مختلفة عن السلطة، ولا تملك الأدوات ذاتها التي تملكها السلطة من بوليس وأموال وثروات، لكنها تملك قوى اجتماعية مهما بلغت من قوة تكون أقل قوة من قوة السلطة، وعندما تغلب كفة الميزان لصالحها، تصبح السلطة في وضع غير متوازن وتسقط.
3- المجتمع: الممثل والمُنتج للقوى(المادية والروحية) التي تستوعب الحراك الاجتماعي بكفتيه: السلطة والمعارضة، إضافة للقوى الأخرى من نقابات وهيئات مجتمع مدني، وتجمعات خيرية وأهلية وغيرها، هدفها البناء الاجتماعي، وكلا القوتين: المعارضة والسلطة هما قوتان جزئيتان في بنية المجتمع، الأولى لصالح المجتمع والثانية ضده، وتتطفل على مُنتجه، المجتمع ينتج ويكفي حاجاته وتنهب منه السلطة حاجتها، مشروعه تنموي اجتماعي ذاتي سلمي، لكن سلوك القوى الأخرى - السلطة والمعارضة - يؤدي بالضرورة إلى التصادم مع بعضها البعض بشكل عنفي أو سلمي، لذا يتناسب تقدم المجتمع طردا مع قلة ما تنهبه منه القوى الأخرى، ويتخلف كلما كان حجم نهبه أكبر.
ويتمثل جوهر الصراع لكلتا القوتين: السلطة والمعارضة، إذ غالبا ما تدفع السلطة المعارضة إلى نوع من العنف قد يضر بالمجتمع، ويصلان معاً إلى هدنة يشرعنها المجتمع، لكن الخلل لصالح أي منهما يولد في النتيجة اندفاعا من أجل التحكم والسيطرة (قد تنقلب المعارضة إلى سلطة مماثلة للسلطة التي تسقطها وتعلب الدور ذاته التي لعبته، وتدخل في صراع جديد) لا يمكن أن يتحقق التوازن المنشود اجتماعيا في ظروف تواجد لقوى متصارعة لا يتحكم المجتمع في إدارتها دون الاستحواذ على مقدرات المجتمع جزئيا أو كليا، ومن دون شك، هذا الصراع ينهك المجتمع، ويضعف قواه وقدراته على تجديد ذاته.
وبناء عليه، لا بد من فهم عمل المعارضة، وتصور نفسها كقوة مضادة لسلطة من أجل مكاسب خاصة وإن كانت تعلن العكس، لكن عندما تأخذ السلطة تصبح مثل سابقتها، لذا لا بد من فهم دور العمل لمعارض والانتقال به من عمل من أجل الذات إلى عمل من أجل المجتمع، وهذا التصور لعمل المعارضة يجعلها في منأى عن أي صراع مع السلطة من أجل المجتمع، وبالتالي تتمكن من تخفيف أعباء الصراع من أجل مكاسب ذاتية، ليكون العمل من أجل تخفيف ما تنهبه السلطة من المجتمع، وهنا يكتسب العمل السياسي دوراً جوهرياً في التقارب من المجتمع وتحقيق التقدم الاجتماعي عبر عمل متوازن وكفاح بجعل:
أ- ما ينتجه المجتمع يبقى له، ويعيد استغلاله في تنمية قواه.
ب- تخفيف تطفل قوى السلطة وغيرها على المجتمع.
ت- تخفيف الهدر وتخريب قوى المجتمع من قبل قوى متطفلة أياً كان شكلها.
فوعي المعارضة لدورها يكسبها قوة، لا لتكون بديلاً للسلطة، وتشكل سلطة مضادة أو لاحقاً سلطة تمارس الدور نفسه التي تمارسه السلطة المزاحة، وهذا يحتاج إلى وعي وفهم ما يجري اجتماعيا، كي تعمل المعارضة لجعل السلطة التي تقوده منبثقة عنه بطريقة منتخبة وخاضعة للمجتمع وليست منفصلة عنه كما هو واقع حالنا: سلطة تمارس أبشع أشكال استهلاك مُنتج المجتمع (لا مساءلة، لا حرية، قوى بوليسية هائلة، جيش ضخم لا وظيفة له سوى القمع، إدارات مالية وبيروقراطية متهالكة...)، ومعارضة: تتهم السلطة أو تستنجد بالغرب لمساعدتها، وكلتا الحالتين لا تنفع شيئاً، والصحيح العمل على خلق قوى اجتماعية من منطلق مصلحة اجتماعية لقلب التوازن من حالة سلطة مسيطِرة، إلى مجتمع يتحكم بقواه، مجتمع تعمل كل القوى فيه بما فيها المعارضة في إطاره، وفق شرط اجتماعي حقيقي تنموي تخدم شرائح المجتمع بعيدا عن أهداف متناقضة مع قوى أخرى، والقوى الاجتماعية لا يمكن أن تكون متعارضة مع أية قوى أخرى، ولا تقبل أن تكون متعارضة مع ذاتها:
ووفق الشرط الاجتماعي، على المعارضة أن تعمل على:
1- تقوية المجتمع.
2- القبول بالذي تعارضه.
3- وطنية – سلمية.
4- لها قواعد في المجتمع وتدافع عن قضايا اجتماعية
5- لها برنامج واقعي – منطقي – سلمي يستند إلى شرعية اجتماعية.
6- تتقدم ليس في مواجهة النظام وإنما في التغلغل في المجتمع، وبمقدار ما تحقق ذلك، تتمكن من التواصل والتعايش والتفاعل مع المجتمع بعيدا عن أي صدام مع السلطة.
7- تعتبر السلطة جزءا من المجتمع وتتعامل معها كقوة موجودة يجب العمل على إصلاحها والتفاعل معها، ودفعها نحو التقدم بجعلها تقبل أن تكون قوة اجتماعية لا قوة سلطة وإذا نجحت المعارضة في ذلك، تكون
قد نجحت نجاحاً باهراً في جعل السلطة لا قوة منعزلة ومتنافر مع المجتمع وإنما تشترك مع المعارضة في النهاية بقبول اللعبة السياسية على هذا النحو:
أ- تداول السلطة.
ب- أن يكون تطوير المجتمع هو الهدف للجميع.
ت- خلق رؤى مشتركة أساسها المواطنة والوطن واعتراف الجميع بذلك، بعيداً عن الفردية والأنانية والانعزالية.
باختصار على المعارضة ما يلي:
1- جلب السلطة إلى المجتمع وجعلها تقبل بـ (المشاركة الجماعية في إدارة الوطن على أساس العدالة والمساواة والحرية).
2- تفعيل المجتمع ذاته وجعله يتفاعل مع مشاكله.
3- تفعيل المعارضة لذاتها والابتعاد عن الطرح العنيف والعمل عل ملاقاة الكل الاجتماعي مع الكل الاجتماعي.
بالتأكيد السلطة لن تقبل بمثل هذا المشروع ولن تتنازل عن مكاسبها التي تعتبرها شرعية، رغم عدم وجود عقد اجتماعي مع المجتمع منحها هذه الشرعية (انقلابات، انتخابات مزورة، استفتاءات مزورة..).
وهنا لا بد للمعارضة من نضال حقيقي في القاع الاجتماعي، نضال يكتسب مشروعيته ليس بالصراع مع السلطة، بل بالحراك الاجتماعي، وجعل المجتمع قوة ضاغطة من أجل مصالحه، وتدفع بالسلطة للتنازل عن أشياء ظالمة تحتفظ بها لنفسها ضد المجتمع (قانون الطوارئ، الحريات، التقدم الاجتماعي الذي تكبحه، القدرة على المساءلة...).
هذا العمل ينجح بشرط العمل على خلق قوة اجتماعية متقدمة وقادرة على الفعل من أجل مصالحها مباشرة في فرض الحرية والتقدم الاجتماعي، بعيدا عن الغلو في الممارسة، لأن المجتمع إذا تحرك سلميا هو أقدر على الفعل وتحقيق المكاسب من العنف والمواجهة والدليل (ثورتا جورجيا وأوكرانيا وغرغزيا).
وفي النهاية من مصلحة السلطة وجود قوى اجتماعية أخرى تساهم معها في إدارة المجتمع وتصحيح أخطائها، وقبول تداول السلطة، فهذا يعطيها شرعية، ويعطيها فرصة كبيرة على تنقية ذاتها من الأخطاء بين الفينة والأخرى، وفي هذا مصلحة مطلقة للجميع وتقدمه.