منذ فترة ليست بالقصيرة أخذ مصطلح الوهابية يتردد بكثرة في الخطاب الاعلامي العربي، وغدا مصطلح «الوهابية» مرادفا للإرهاب والتكفير، وكثيرا ما جاءت هذه الاوصاف الثلاثة في نسق واحد «التكفيريون الارهابيون الوهابيون»، حتى غدا الوسم بنعت الوهابية تهمة سياسية خطيرة تبيح دم صاحبها. فما حقيقة هذا الوصف ولم تم حبسه في سياق الاجرام والارهاب؟ لاسيما بعد أن بات واضحا أن ثمة جهات معينة تسعى إلى ترويج هذا الموقف من الوهابية وتعمل على تسويقه متى وجدت إلى ذلك سبيلا لتنجح في تنفير عامة الناس منه واستعداء الغرباء عليه. فنبذ «الوهابية» اجتهد في ترويجه وتسويقه منذ عقود خصوم المصلح المجدد محمد بن عبدالوهاب المتوفى 1206 هجرية محاولين عبر هذا اللقب تصوير دعوة الرجل، وكأنها طريقة ابتدعها هذا الامام من عنده، كما هي الحال في الطرق الصوفية المنسوبة إلى اصحابها من نقشبندية ومولوية وتيجأنية وبريليوية,,,!
لقد صنف هذا العالم الجليل كتابه «التوحيد» لدعوة الناس إلى اصول الاسلام النقية بعد أن رأى الأنحراف الكبير الذي عمّ الجزيرة العربية في ذلك العصر، اذ أنتشرت مظاهر الشرك والبدع وشاعت ثقافة الخرافة والجهل، فجمع في كتابه النافع نصوص القرأن الكريم والاحاديث النبوية التي تبين معالم الدين الحق والعقيدة الصحيحة، واستشهد بها بطريقة لا لبس فيها ولا غموض بما يوافق اصول الاستدلال وقواعد الفقه والاستنباط وفق قوأنين اللغة العربية واحكامها فلم يفسر شيئا منها بالرؤى او الاذواق او الكشف والالهام، كما يفعل كثير من ارباب الاهواء الذين يفسرون القرأن وفق امزجتهم ومصالحهم بعد أن يصرفوا ظاهره المحكم إلى معأن باطنية مقفلة مفاتيحها بأيدهم هم دون غيرهم.
ولذا فقد وجد كتاب «التوحيد» رواجا كبيرا في العالم الاسلامي شرقا وغربا لما حفل به من وفرة الادلة الشرعية الساطعة ومنهج الاستدلال الميسر المفهوم، وبالطبع، فأن هذا الكتاب لم يرق لأنصار الجهل والخرافة الذين وجدوا في دعوة الشيخ ما يسحب البساط من تحت أرجلهم فحاربوها ونعتوها بابشع النعوت والالقاب تنفيرا للناس منها، فعبر عصور الجهل تحول الدين إلى بقرة حلوب يتم استغلالها من قبل الذين نصبوا أنفسهم رجال كهنوت حشروا أنفسهم واسطة بين تطبيق احكام الدين وعامة الناس، وجنوا من ذلك منافع طائلة، الم يقولوا أن على المريد أن يكون عند شيخه كالميت بين يدي الغاسل! ألم يسبغوا على ذواتهم اثواب القدسية والتعظيم حيث يتمسح الجهلة بثيابهم طالبين البركة والشفاء ويمدون ايديهم بكل صلف ليشبعها المغرر بهم لثما ورشفا! لقد جاءت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لتحرر جهلة المسلمين من سلطأن العبودية للمخلوقين وتخلص عقولهم من قيود الخرافة والدجل التي اشاعها اولئك الكهنوتيون لتحقيق مآربهم الخاصة!
أن ما نراه الأن من اعادة لاحياء تهمة الوهابية من جديد ونفض للغبار عنها بعد أن ثبت كسادها وبأن كذبها منذ عقود لا يخلو من توظيف لآليات قديمة في صراع متجدد، غير أنه اتخذ بعدا اخر حين استغل ما يسمى بالحملة الدولية على الارهاب للتخلص من خصوم لم يتمكن من التغلب عليهم في ميدأن الحجاج والجدال، فاستعاض عن بريق البرهأن بسيف الاميركيين.