لقد أقدمت الحكومة الجزائرية مؤخرًا على إيقاف بث برنامج “ستار أكاديمي 3 " بتدخل من رئاسة الجمهورية الجزائرية نظرا "لكونه يخدش الحياء ، وما ظهر جليًا في ردود أفعال المواطنين الذين أطلقوا نداءات استغاثة لكل الغيورين على حرمة المجتمع الجزائري، ومنهم الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة “. ستار آكاديمي واحد من برامج تلفزيون الواقع الذي لاقى رواجًا في الغرب، وأصبح له شعبية واسعة، كونه يعكس صورة عن مخرجات الثقافة الغربية المتحررة، وفي أحيان كثيرة تلك الخارجة عن الحدود باسم العصرنة والحداثة والحرية. وكالعادة فإن كثيرا من "الصرعات والتقليعات" الفنية والثقافية والاجتماعية الغربية قد وجدت لها بين ظهرانينا من يروج لها ويسوقها، وحجتهم في هذه الأيام إنه عصر العولمة، وإن كانت هذه العولمة لها مسار واحد واتجاه واحد فقط صوب العالم العربي الاسلامي .
*) وستار أكاديمي الذي تعرضه إحدى الفضائيات الناطقة بالعربية من لبنان للسنة الثالثة على التوالي هو “نسخة معربة" عن الاصل الفرنسي. وهو برنامج ربحي يعتمد اعتمادا كليا على مصدرين تمويليين هما نصيبه من ريع المكالمات الهاتفية والرسائل القصيرة " ٍ" sms ، وما تدفعه الشركات الراعية للبرنامج لقاء الدعاية الاعلانية لمنتجاتها وقد خصصت لهذا البرنامج قناة فضائية تبث على مدار اربع وعشرين ساعة في اليوم .
*) وبداية فقد وجد هذا البرنامج له سوقا رائجة في العالم العربي وبخاصة بين الفئات الشبابية، كونه موجها في الدرجة الاولى لها، وكون العالم العربي يعيش فراغا ثقافيا انتمائيا جراء "سياسات" تربوية واجتماعية وثقافية مفروضة عليه فرضا وكونه مستباحا من قبل عشرات القنوات الفضائية التي انتهكت مساحة شاسعة من محرماته ومحظوراته الأخلاقية والقيمية .
*) وبكل بساطة، فما سبق ان شاهدناه ونشاهده في هذا البرنامج يدفعنا للتأكيد بانه ينتمي الى ثقافة دخيلة مفروضة على العالم العربي الاسلامي، وبالتالي فهي مرفوضة حفاظا على ابنائنا وبناتنا الذين يفترض بهم ان يكونوا متسلحين بقدر معقول من ثقافة امتهم واصالتها بهدف تعزيز هويتهم الانتمائية لها، دون فرض أي انغلاق عليهم أو تقوقع. وثمة فرق هائل بين التأثر بالتيارات الثقافية الرزينة والرصينة البناءة والهادفة والمربية وبين التيارات الاباحية الماجنة التي تقتلع من الجذور وتعري من الجلد .
*) ولسنا في هذا الصدد نتجنى على هذا البرنامج ، او اننا نصفه بما ليس فيه ، او اننا ننطلق من تعصب اعمى ضد الثقافة الغربية التي يمثلها ، او اننا نعارض " التلقيح الثقافي " شريطة ان لا يكون " سفاحا " ثقافيا . وهنا فاننا ننوه الى ان هذا البرنامج قد ووجه بانتقادات شعبية في كثير من الاقطار العربية وآخرها الجمهورية الجزائرية رغم انها هي الاقرب الى الثقافة الغربية ، والاوسع انفناحا عليها من أي قطر عربي آخر .
*) لقد اقدمت الحكومة الجزائرية مؤخرا على ايقاف بث برنامج “ستار أكاديمي 3 " بتدخل من رئاسة الجمهورية الجزائرية نظرا – وهنا اقتبس – "لكونه يخدش الحياء ، وما ظهر جليا في ردود افعال المواطنين الذين اطلقوا نداءات استغاثة لكل الغيورين على حرمة المجتمع الجزائري، ومنهم الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة “.
*) وحقيقة الامر ان ستار أكاديمي يخالف سلوك المجتمعات العربية وعاداتها، وينقل ثقافة لا تعبر عن الثقافة العربية الاسلامية. وثمة الكثير الكثير من التجاوزات السلوكية والتعديات الاخلاقية في ستار اكاديمي التي تفرض توجيه النقد الصارخ لها وعدم السكوت عنها. ومثالا لا حصرا الملابس وطريقة اللباس التي تظهر بها الشابات ، فهي شبه عارية ، ضيقة تبرز معالم اجسامهن بشكل فاضح ومستهتر. واضافة الى هذا فان طريقة التعامل بين الشبان والشابات لا تخضع على ما يبدو لاية قيود او حدود. فما يشاهد من عناق وتقبيل ومخاصرة ورقص وطريقة مخاطبة مائعة هي امور لا يصدق انها تعرض علنا بهذا الشكل الفاضح السافر على اسر المجتمعات العربية المحافظة بطبيعتها، الا ان هذا هو الواقع الاليم .
*) والسؤال العريض المتعدد الجوانب والابعاد الذي يطرح نفسه في هذا السياق: لماذا؟ وما هو الهدف؟ هل هي الحرية، وهل تكون الحرية هكذا؟ وهل هذه هي منظومة الحداثة والعصرنة والتطور والرقي؟ وهل هذا هو المقصود بالعولمة؟ أوليس الإعلام رسالة بناءة هادفة، وهل من حقه أن ينتهك المحظورات الاخلاقية في عصر لا يمكن السيطرة فيه على وسائله التقنية ومنها البث الفضائي؟ اليس هناك وازع من ضمير ، ام ان الربحية هي الهدف باي ثمن ؟ أم ان هناك اهدافا خبيثة اخرى موجهة ضد الاجيال العربية الناشئة ترمي الى تفكيك عناصر مركباتها الثقافية الانتمائية ، وزجها في متاهات التفاهة والتسطيح والخمول والضياع والتقليد الاعمى؟
*) انها اسئلة مشروعة من حقنا ان نسألها. ومرة اخرى فنحن من خلالها لا نتجنى على هذا البرنامج ، ولا نقف في وجه التطور والرقي الحقيقيين. وثمة سؤال آخر نسأله : اية فائدة تجنى من هذا البرنامج ، وهل حقا انه يخرج نجوما يفتقر العالم العربي لها ؟ . ونجيب : ان المتتبع لستار اكاديمي يخرج بنتيجة مفادها انعدام الابداع في " وجباته الفنية " والتي لاتسمن ولا تغني من جوع. هناك فقط اجترار لاستعراضات فنية، ولاغنيات معادة لفنانين وفنانات معروفين. ليس هناك مبادرات ابداعية، اللهم الا التقليد والتقليد فقط .
*) إلا أن الأهم من كل هذا وذاك ان هؤلاء الشبان والشابات سوف يتساقطون الواحد تلو الآخر كما تقتضي قوانين البرنامج ، ليبقى في النهاية واحد فقط يحصل على اللقب بطريقة تصويت او باخرى تتحكم بها عدة عوامل لا تمت الى الفن بصلة ، تشتم منها رائحة " التعصب القطري " في التصويت حيث الغلبة في كثير من الاحيان للمصوتين من الاقطار العربية ذات الامكانيات المادية والتي تفتح باب التصويت العالي الكلفة على مصراعيه ، وهذا امر لا يتوفر لآخرين ذلك ان الاقطار العربية ليست كلها على قدر واحد من الغنى.
*) ان العالم العربي يمر في هذه الايام بمرحلة انعدام الوزن والتأثير ، تتحكم بمؤسساته الرسمية عقد النقص والشعور بالدونية امام كل ما يهب عليه من تيارات وصرعات ثقافية ، لا يميز بين ما هو غث او سمين. لقد ترجل عن صهوة الابداع وارتمى في أحضان التقليد الأعمى، والانكى من كل هذا وذاك انه خرج من جلده، وتنكر لتاريخه وتراثه وأصالته. ويخشى لاسمح الله اذا ما استمر ت الحال على هذا المنوال ان تتقطع جذوره، وان يفقد صلته بكل منتمى له ، ولغته العربية التي هي مستودع ثقافته وتميز شخصيته تترنح في مهب اللغات الغربية التي قلصت مساحة انتشارها مثل صارخ على ما نحذر منه .
*) ويخطىء من يظن ان الاستعمار قد انتهى ، ويخطىء من يظن ايضا ان الاستعمار هو اقتصادي او سياسي فقط. لقد وجه الاستعمار الغربي رأس حربته منذ قرون ولا يزال الى الثقافة العربية الاسلامية ، ذلك انها كانت تشكل على الدوام عامل الافشال الرئيس لكل مخططاته .
*) إن الاستعمار الغربي - باسم الحريات العامة والتحرر والديموقراطية والعصرنة والحداثة والتغيير والعولمة والتطور والرقي الى آخر ما في قاموسه هذا من مسميات - سعى جادا وما زال يسعى الى استهداف الثقافة العربية الاسلامية كي تستتب له الامور ويصبح العالم العربي تابعا استهلاكيا منقادا مشلول التفكير ، منقطعا عن ماضيه المجيد ، فاقدا لكل قواه الذاتية والابداعية ، يدور في فلكه ويقتات على فتات موائده الثقافية.
*) وكلمة أخيرة ، إن ستار أكاديمي ، وما تعرضه كثير من الفضائيات الناطقة بالعربية باسم الفن ليلا نهارا على المشاهدين العرب، دون ان تكون هناك ادنى مراقبة رسمية لها، ان هذا يشكل غزوا ثقافيا متجددا وباساليب حديثة ومغرية ، والانكى من هذا كله ان جنرالات هذا الغزو ينتمون الى الامة العربية ، يسوقون هذه الانماط من الثقافة الغربية في دكاكينهم. انها ثقافة تنتهك جسد المرأة وتستبيحه. انها تسمم عقول الناشئة ، وتشعل في اجسادهم الغرائز الحيوانية. انها تقزم اهدافهم وتحصرها في المتع واللهو والملذات والعبث. انها في المحصلة تشكل خطرا يصل في مستواه الى درجة الوباء. ولهذا فهي ثقافة مرفوضة. ويظل الامل معلقا على اناس آمنوا بربهم وبامتهم وتاريخهم وامجادهم، لم يبيعوا انفسهم للشيطان، يتصدون بكل قواهم لهذا الغزو .