عرضنا عضلاتنا أمام بلد كالدانمارك ليس لديها إلا النوق والبقر ومنتجاتهما في أسواقنا فشددنا أسرها وأسرهم وأرينا العالم منا صولة وجولة تمخضت في آخر الأمر عن لاشيء.
لاشيء في المجال السياسي لأن الحكومة الدنماركية لا تستطيع ولو أرادت أن تعتذر عن فعل قامت به صحيفة في بلد حر ديمقراطي وهذا أمر يعرفه كل من له أدنى علم أو اطلاع على شؤون البلدان الغربية. إهانات قديمة، وتمخض الجبل!
لقد عشنا في الغرب منذ ثلاثين عامًا ونحن نرى يوميًا مثل هذه الرسوم الكاريكاتورية في جميع الصحف ووسائل الاعلام، ولم يحرك أحد ساكنا، كانت تنشر في كل الصحف قبل الحادي عشر من سبتمبر وقبل الحادي عشر من آذار وبعدهما، وقبل موجات الارهاب والارهاب المضاد، أقصد، قبل موجات الارهاب الغربي الجديدة التي اجتاحت بلادنا، والارهاب المضاد الذي خرج من صفوف العرب والمسلمين والذي تخبط في الرد على ذلك الإرهاب إلى درجة بدا فيها وكأنه موجه ضد العرب والمسلمين أنفسهم خاصة المقيمين منهم في الدول الغربية، فلماذا الآن والآن فقط ؟؟ وعندما ظهرت هذه الرسوم في بلد مثل الدانمارك؟ هل كانت هناك مصالح سياسية تحرك بعض هؤلاء العلماء بأوامر من السلاطين؟ أم أننا لانجرؤ على انتقاد "مارينز الولايات المتحدة" في إهانتهم للقرآن الكريم في غوانتانامو فعرضنا عضلاتنا أمام بلد كالدانمارك ليس لديها إلا النوق والبقر ومنتجاتهما في أسواقنا فشددنا أسرها وأسرهم وأرينا العالم منا صولة وجولة تمخضت في آخر الأمر عن لاشيء.
لاشيء في المجال السياسي لأن الحكومة الدنماركية لا تستطيع ولو أرادت أن تعتذر عن فعل قامت به صحيفة في بلد حر ديمقراطي وهذا أمر يعرفه كل من له أدنى علم أو اطلاع على شؤون البلدان الغربية وملابسات السياسة والقوانين في معظمها، لاشيء في المجال الدبلوماسي على الرغم من قيام رئيس وزراء الدنمارك نفسه بالمثول في فضائية عربية ليعرض أسفه عن نشر مثل هذه الرسوم وما قابله به الشيخ الداعية الذي أصبح ناطقا باسم الامة في ذلك البرنامج في قناة العربية فرفض تأسف الرجل وأصرّ على كلمة الاعتذار التي لايستطيع الرجل أن ينطق بها، لأنه إن نطق بها خسر منصبه ومكانته واحترام الشعب له في تلك البلد ! ولو أنه قبل منه ذلك التأسف لكنا قد ربحنا الكثير الكثير في قلوب تلك الشعوب ولكنا امتلكنا مفاتيح إعلامية ضيعنا فرصة ذهبية عندما رفضنا تأسفه في تلك العشية، لاشيء في المجال الاقتصادي لأن الاتحاد الاوربي يقف بكل ثقله مع أعضائه، ولأننا لا نجرؤ على مقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية ولاحتى المناداة ولا التصريح بمقاطعتها وفضائياتنا تعج بالدعاية لكل منتجاتها فلقد بدونا مفلسين نشن حروبا دون هدف واضح ولا خطط مدروسة ولا وعي عام يحيط بساحة المعركة وهوية الطرف الآخر، لاشيء في المجال الاجتماعي لأن الامة أحيت الحفلات الانشادية لنصرة الرسول ولكنها لم تحيي سنته في النفوس والعقول، تحريك العواطف والدموع لم يغير قط النفوس والعقول لأنه فعل آني رخيص مجاني لا يكلف الكثير ولا القليل، لاشيء في المجال التربوي والدعوي لأن علماء الأمة اليوم عجزوا عن تربية هذه الأمة وإنهاضها من عثرتها بسبب بعدهم كل البعد عن همومها وبلوائها وآلامها وانصرافهم إلى المثاليات والنظريات واستنساخ أساليب بعضهم بعضا في الكتابة والاعلام دون أن يستطيع معظمهم الاتيان بجديد _ وأستثني منهم دون أدنى تردد شيخ القرن أستاذ الجيل الدكتور يوسف القرضاوي _.
حق ٌ لم نستطع توظيفه
ولكن وعلى الرغم من هذا الافلاس في ضبط الفعل وتوجيه النتائج نحو ارضية ايجابية بناءة بعد هذه العاصفة المفتعلة على أساس حق واضح صريح فإنه عسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا، ولأن الله هو المتكفل بنصرة رسوله ودينه فقد تمخضت عن خير كثير في الدول الاوربية على الاقل مصدره تعقل المسلمين في الغرب ومنطقهم الصائب في ضبط الرد على تلك الرسومات ، كما مصدره هَبّة المسلمين في العالم ممن تظاهروا بسلم وانضباط نصرة للرسول واستجابة لنداء علماء وحكام لم يحسنوا التصرف ولاتقدير الامور.
من منا لايدين تلك الرسوم القذرة وكل تصرف قذر تجاه مقدسات الآخرين ؟ إن من أهم حقوق الانسان أن تترك له حرية الاعتقاد ومع حرية الاعتقاد حق احترام معتقده، الحرية والاحترام شرطان متلازمان في مجال حقوق الانسان وفي قائمة الحقوق المهضومة في بلادنا، اعتراضنا ليس على هبّة المسلمين لنصرة رسولهم ولكنه متعلق باستغلال بعض السلطات الدينية والسياسية لمحبة المسلمين لنبيهم، ولم تأت تلك الانتفاضة الغاضبة ردا على تلك الرسوم الكاريكاتورية فحسب، وقد أخطأ كل من ظن ذلك ، لكنها كانت استجابة أمة للجرح الأكثر إيلاما في قائمة الجراح التي أثخنت جسدها منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر حتى اليوم، كانت تلك الرسومات القشة التي قصمت ظهر هذا البعير المتعب المنهك المثقل بأسفاره وجراحه!.
حجم هائل من الاهانات تعرضت له هذه الامة وهي صابرة محتسبة، تدفع كل الأثمان وتمرَّر لمصارفها كل فواتير تكاليف الحروب التي تشن عليها باسمها لتحرير بعضها من بعضها ولكبح ارهاب بعضها عن بعضها ولتربية وتأنيب بعضها ببعضها ، ثمن باهظ هذا الذي كانت تدفعه الأمة حكاما ومحكومين، رعايا ورجال دي ، العلماء العاملون في هذه الامة قليلون، ورجال الدين هم الذين يتولون مهمة توجيه العامة، ولذلك فاننا نرى اليوم الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن الدين أصبح مطية للبعض لخدمة السلطان والمشي بأمره في كل حين.
دور المسلمين في الغرب
لقد لعب المسلمون في الغرب دورًا كبيرًا جدًا في امتصاص الآثار السلبية التي كان من الممكن أن تترتب على انطلاق هذا المارد من قمقمه دون علم ولا وعي ولا بصيرة لأن الذين أطلقوه لم يكن لديهم أي علم ولا بصيرة ولا وعي بملابسات الأمور، لقد أطلقوا المارد ولم يعرفوا الخطوة التالية التي كان يجب عليهم أن يقوموا بها، لأنهم يوم أطلقوه إنما قاموا بذلك بايحاء من جهات سلطوية أرادت أن تلفت نظر الغرب الى القوة التي يمتلكونها إذا ماهم حركوا الشارع الإسلامي. وقد فعلوا، ونجحوا في ذلك، ولكنهم وقفوا عاجزين عن توجيه هذه الجماهير المعبرة عن غضبتها لله ولرسوله، كما وقفوا مذهولين خوفا من أن تخرج هذه الجماهير عن الحدّ الذي كان يراد لها أن تتحرك ضمن نطاقه، لكن المسلمين في الغرب بجمعياتهم ومؤسساتهم ومثقفيهم ودعاتهم وبفضل الله وحده استطاعوا أن يوجهوا هذه الازمة في أوربة على الأقل لمصلحة الاسلام والمسلمين حينما دعوا الى الهدوء والانضباط والقيام بالاحتجاجات السلمية المنطقية واتباع الوسائل الطيبة للتعريف بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لو أن أحدا فكر بتوزيع عشرة آلاف نسخة من كتاب "المائة الاوائل" في الدنمارك لأحدث في تلك البلد زلزالا فكريا ثقافيا لمصلحة الاسلام والمسلمين، لو أننا استطعنا طبع وتوزيع مائة ألف نسخة من فيلم :الرسالة: الطبعة الاجنبية باللغات المحلية في كل من الدانمارك وهولندا لاستطعنا إحداث انقلاب فكري سياسي غير مسبوق، لو أننا قاطعنا المنتجات الأمريكية في بلادنا يوم أهان جنود القوات الأمريكية المحتلة إنساننا وقرآننا لما اعترض معترض على قيامنا بكل هذه الحملة النشطة لمقاطعة المنتجات الدنماركية المصاحبة بالشتائم والاهانات لمجمل الشعب الدنماركي الذي أخذناه كله بذنب ارتكبه بعض المغفلين الحمقى!، إنها الحكمة المطلوبة في قياس أبعاد ردود أفعالنا، إنه المنطق الضروري لكسب جولات الفكر، إنها الموعظة الحسنة المرتبطة بالاخلاق العظيمة التي علمنا اياها نبينا العظيم صلوات الله وسلامه عليه، أن لانكيل بمكيالين وأن لانعاقب البريء بجرم المذنب ، وهما خلقان ذميمان طالما دأبنا على اتهام الغرب بالتعامل معنا من خلالهما!.
طالما عبنا هنا في اسبانية على الصحافة والاعلام الاسبانيين أن أخذوا كل الجالية المسلمة بجريمة نفذها في قطارات مدريد حفنة من الشباب الذي ظن أنه إنما يجاهد في سبيل دينه بينما كان حجم الاذى الذي لحق الاسلام والمسلمين في هذا البلد غير مسبوق بسبب تلك الاعتداآت الوحشية على الابرياء الآمنين، اعتداء القوم على أبريائنا لايجب أن يكون مبررا لقيام بعضنا بالاعتداء على أبريائهم، هذه ليست أخلاق الاسلام ولا التعاليم التي علمنا اياها رسوله العظيم، إذا لم نلتزم أخلاق الرسول في تعاملنا مع عدونا فكيف سيعرف العدو والصديق قدرة هذا الدين على صياغة نفوس الرجال واحقاق الحق في الارض؟!.
"الانتفاضة المحمدية "
دعونا نطلق عليها هذا الاسم لأنها متعلقة بشخص محمد صلى الله عليه وسلم أتت في مكانها وزمانها المناسبين لولا أن الذين دعوا إليها لم يعرفوا حدود دعوتهم ولاتصرفاتهم، لقد نجحت الأمة في اختبار حبها محمداً صلى الله عليه وسلم ورسب رجال الدين والسياسة في محاولاتهم استغلال حب هذه الامة لنبيها.
ماذا أستفيد من نيتي في بناء بيت لاأملك المال لبنائه وليست لدي أي خطط هندسية واضحة لرفع قواعده ولاأمتلك القدرة على جمع البنائيين ليعملوا في ذلك؟ لقد كان هذا هو السبب الرئيس في إجهاض هذه الانتفاضة ولو أنه لم يؤثر في أن تؤت ثمارها على المستوى الاوربي على الاقل حيث نشطت الجمعيات والحركات والمؤسسات الاسلامية والافراد على كل المستويات لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم باللقاآت الثقافية والحوارية والنشرات والبيانات الاعلامية المبينة للحق والباطل في هذه القضية الحرجة، وإن كنا مازلنا بعيدين جدا عن المكان الذي يناسب مقام الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم، وعن الموقع الذي كان يجب أن نعد من أجله جيلا كاملا في بلاد الغرب يحمل الامانة بلغة القوم ووعي المولود بين أظهرهم وسلامة منطق من أتيح له المقارنة الايجابية بين حضارتي الاسلام والغرب، والمزج بين مختلف الثقافات التي حملتها الجاليات المسلمة المهاجرة والتي تنتجها بصورة مضطردة بلدان العالم الغربي، لكننا قصرنا في حمل هذه الامانة نحن الجيل الاول من الذين وفدوا على هذه البلاد وانشغلنا أثناء عملنا في توطين العمل الاسلامي بالاستقلال بالرأي والحفاظ على مواقعنا الشخصية ولم ينظر الكثير من القائمين على العمل الاسلامي في الغرب أبعد من أنوفهم وهم يوجهون أبناءهم بالجملة الى الدراسات العلمية من طب وصيدلة وغير ذلك من فروع علمية تساعد هؤلاء الابناء على تحقيق نجاحات آنية على المستوى الشخصي ولكنها تقعد بالجاليات عن تأهيل الكوادر المناسبة لحمل أمانة هذا الدين، الكوادر القادرة على سبر علوم الدراسات الانسانية من أدب وترجمة وعلم نفس واجتماع وصحافة واقتصاد وتربية، علوم ضرورية بل بالغة الضرورة لدى التفكير في مستقبل الاسلام والمسلمين في الغرب المتعطش الى المعرفة، والذي يستغيث بالمسلمين أن افتحوا لنا أبواب المعرفة بكم وبدينكم، ولكن فاقد الشيء لايعطيه، ونحن اليوم وللأسف الشديد نعاني فقرا مدقعا في قدرتنا على حمل هذه الامانة التي يحملها الله بوعده الصادق بحمايتها وتبليغها وحتى لو عجز وتقاعس كل مسلمي العالم عن أداء هذه المهمة.
أكتب اليوم عن هذه "الانتفاضة المحمدية" بكثير من الصدق، لأنني لو كتبت بكل الصدق لواجهت كثيرا من المتاعب ليس أولها ولاآخرها التكفير ورسائل التهديد بالتفجير، أكتب عن الدروس والعبر التي يجب علينا أن نفقهها حول ملابساتها، إنه من الخيانة أن نركب الموجات حتى لو كانت موجات ترتفع كالجبال باسم محبة الله ورسوله، لأن الاخلاص والصواب في ديننا دعامتان أساسيتان لايستقيم بغيرهما عمل، ولأن ركوب الموجات خطير حتى لو ركبتها أمة بكاملها مادامت لاتمتلك وسائل النجاة من احتمالات السقوط من شاهق.