لقد صدرت في الآونة الأخيرة القوانين والتشريعات العديدة، في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، تجرم كل من يتحدث أو يكتب أو ينشر أي مادة تشير إلى عنصرية “إسرائيل” وعدوانها سواء كان ذلك يعني أفرادا أو حكومات.
وظهرت الجماعات والأفراد الذين يستميتون في الدفاع الأعمى عن “إسرائيل” في المجتمعات الغربية بصورة عامة والمجتع الأمريكي بصورة خاصة ونشير هنا إلى مثالين صارخين من الولايات المتحدة. قام الصهيوني دانيال بايبس Danial Pipes، الذي يظهر على الفضائيات العربية "يحرسها الله" كخبير في الشأن الإسلامي، بتأسيس مجموعة من الأساتذة والطلاب الصهاينة أطلق عليها مراقبة الحرم الجامعي Campus Watch مهمتها مراقبة مادا يدرس داخل الصفوف ومراقبة النشاطات الثقافية والسياسية في الجامعات ورفع تقارير بشكل مباشر إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي والأجهزة الأمنية الأخرى.
وما يحدث يوميا في الجامعات من تعسف وفصل وطرد ومحاكمات لكثير من الأساتذة والطلاب له خير شاهد على استغلال بشع بطرق عدوانية صارخة للا سامية طالت تكميم الأفواه ووأد حرية التعبير حتى في الجامعات التي تعتبر صروح الثقافة والعلم والحرية. أما المثال الثاني يتمثل في أفراد صهاينة كالمدعو ألان ديرشوفيتز Alan Dershowitz، أستاذ القانون في جامعة هارفارد، في كتابه (قضية من أجل “إسرائيل”) A Case for Israel ، بأن سجل “إسرائيل” في حقوق الإنسان "بصورة عامة رائع". يكتب ،" كي نساعد على تنقية الهواء بتزويد دفاعات مباشرة وحقيقية لاتهامات مزيفة." لقد أصبح كتابه على قائمة أحسن المبيعات في الولايات المتحدة. ومنظمات اليهود الأمريكيين قامت بتوزيعه كتابه على نطاق واسع في حرم الكليات والجامعات وكذلك قامت وزارة الخارجية ال”إسرائيل”ية بابتياع آلاف النسخ من الكتاب لكي توزعها بنفسها.
جاء كتاب نورمان فينكيلستاينNorman G. Finkelstein (ما وراء الجرأة: حول سوء استخدام اللا سامية وإساءة معاملة التاريخ) الذي تم نشره في أغسطس 2005
Beyond Chutzpeh: On the Misuse of Anti-Semitism and the Abuse of History في وقته الماسب تماما. إنه ليس بالغريب على الجرأة والتحدي وكما يظهر كتابه بوضوح. لقد عمل الكاتب كل ما في إمكانه من أجل الموضوع فاتسم كتابه بالدقة والمهنية لبحثه وتحليله.
بعد كتابه (صناعة المحرقة)، ينتقل فينكيلستاين من بحثه اللاسامية الجديدة إلى تعرية الفساد في الوسط الأكاديمي حول النزاع ال”إسرائيل”ي- الفلسطيني؛ مستحضرا آخر المستجدات في هذا النزاع ونشر المناظرات الأكاديمية. يشير الكاتب إلى إجماع بين المؤرخين ومنظمات حقوق الإنسان على السجل الحقيقي. فلماذا إذن كل هذا الجدال والخلاف يتمحور حول النزاع؟ يجيب الكاتب بتوثيق محكم أن الإعتذاريين ل”إسرائيل” هم الذين اخترعوا هذه الجدلية الخلافية, وكل ما تقع “إسرائيل” تحت الضغط الدولي، نلاحظ حملة إعلامية أخرى لتثبت أن هناك موجة من المعاداة للسامية قد انتشرت.
إن فينكيلستاين على حق تماما في تأكيده على السخف الذي يربط انتقاد معاملة الاحتلال المهينة بالعداء للسامية. وتوثيقه لانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة على جانب كبير من الأهمية والمصداقية.
من جهة، يظهر أن الجدال المحيط بالكتاب هو رد فعل على محاولة الكاتب تعرية بعض العناصر الأكاديمية التي لعبت دورا نشطا في إخفاء سوءات الكيان الصهيوني ليشمل الأنظمة الشريرة وليس أقل من الولايات المتحدة نفسها. ومن جهة أخرى، إن الرد الساخط على كتابه لهو مثال آخر على كيف أن الأدبيات التي تناقش اللاسامية الجديدة تجرم هؤلاء الذين يعرون الانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها "“إسرائيل”" بخصوص القانون الدولي.
إن كتاب (ما وراء الجرأة) لهو أكثر عمل من نوعه يتصف بالشمولية والموضوعية والتنظيم والتوثيق الجيد. إنه اأكثر المراجع وضوحا وعقلانية وبعدا عن الإنفعالية والعاطفة تجاه الممارسات اليومية للاحتلال والاستعمار للأراضي الفلسطينية. إنه يبين كيف ولماذا يقوم المدافعين المتعصبين بطريقة عمياء عن الكيان الصهيوني بالاعتماد على حقائق وأرقام مزيفة في نقاشاتهم وجدالهم مما يضعف من حجتهم وقضيتهم.
إنه كتاب هام وجيد ومليء بالمعلومات. يزودنا الكاتب بتفصيلات وتحليلات هامة مصحوبة بعمق تاريخي وخبرة كبيرة بقضايا متعددة تعني الكيان الصهيوني والفلسطينيين والولايات المتحدة. إنه تحليل نشط وذكي ومحكم وبليغ ومن الصعب الإنتقاص من قيمته العلمية والبحثية. إنه دراسة ذكية تلقي الضوء على المدى الذي ذهب إليه بعض اليهود الأمريكيين في تمثيل "“إسرائيل”" بطريقة فاضحة. وكذلك أيضا يرصد الكتاب انتشار التشويه ولي الحقائق لإنكار التاريخ.
إن جوهر تحليل الكتاب هو مواجهة تأكيدات ديرشوفيتز حول حقوق الإنسان في “إسرائيل” ضد نتائج حقوق الإنسان في المجتمعات الأخرى؛ باحثا في آلاف الصفحات من التقارير لمنظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية و بيتسليم ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان ويدحض فينكيلستاين ما يسوقة ديرشوفيتز ويدلل على زيف المعلومات التي يسوقها في معرض دفاعه الأعمى عن الكيان الصهيوني.
في الجزء الأول من الكتاب، يركز المؤلف على إساءة استخدام اللاسامية من قبل جماعة الضغط الصهيوني في الولايات المتحدة وأوروبا‘ في دعم سياسات “إسرائيل”. وكلما كان هناك احتمال أو توقع أو إشارة على أن المجتمع الدولي سوف يضغط على “إسرائيل” لتنسحب من المناطق المحتلة، كما يتطلب منها القانون الدولي، وجدنا أن حملة اللاسامية تطلق: "هناك مبالغة إعلامية يتم تنظيمها بعناية تدعي بأن هناك لاسامية يتقاذفها العالم."
وبادعاءاتهم أو زعمهم باللاسامية، إن النخبة من اليهود الأمريكين ينشدون فوق كل ذلك إقناع كل إنسان بأن الانتقادات ل”إسرائيل” هي ضد السامية حقيقة تحت الخفاء. فالتقارير التي تظهر أن الفلسطينيين هم تحت الاحتلال وكذلك التقارير حول قمعهم ومعاناتهم يجب أن تبقى من المحرمات – “إسرائيل” فقط هي التي تستحق أن تكون في موضع الضحية. وهكذا يتم قلب الحقيقة والواقع للتأكيد على أن تتمتع “إسرائيل” بالحصانة.
إن الهستيريا حول "اللاسامية الجديدة" توظف ليس فقط لإسكات الانتقادات المشروعة ل”إسرائيل” وإنما أيضا لتحرف الانتباه عن انتهاكات القانون الدولي والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. ولذلك على سبيل المثال، إن رفض المشاركة في الحرب العدوانية على العراق تساوت مع كراهية اليهود. الكاتب إيلي ويزيل، الناحي من معسكر أوشفيتز النازي والحائز على جائزة نوبل للسلام، أخبر رئيس الولايات المتحدة (جورج دبليو بوش) في السابع والعشرين من شباط 2003 أن العراق دولة إرهابية ولذا فهناك سبب أخلاقي للتدخل والعدوان ولو أن الغرب كان قد تدخل في أوروبا في سنة 1938 لأمكن منع حدوث الحرب العالمية الثانية والمحرقة. وكان بوش قد علّق على هذا قائلا: "لقد كانت هذه لحظة تعني الكثير لي،" وأنها كانت لحظة تأكيد على صوابية قرار الحرب عندي.
إن رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا (بول سبيغل) انتقد بشدة معارضة الألمان للحرب على العراق، ذاكرا حججا شبيهة لتلك التي قالها ويزيل. مع أن كلماته كان لها الصدى السيء في ضوء خروج الملايين احتجاجا على الحرب في ألمانيا وفي جميع أنحاء العالم ومن بينهم العديد من اليهود.
إنه من المفزع أن نرى هذا النوع من الحلفاء الذين استقطبهم اللوبي من أقصى اليمين في الميدان السياسي أمثال: سيلفيو بريلسكوني وجيانفرانكو فيني من الفاشيين الجدد في التحالف القومي الإيطالي، جان-ماري ليبان في فرنسا. وكما هو الحال مع الأصوليين المسيحيين في الولايات المتحدة الذين هم مضرب الأمثال في العنصرية والتعصب الأصولي وتبرر جماعة الضغط بأن التعصب الأصولي مضرب الأمثال ليس مؤذيا كثيرا في هذه الأيام ويجب أن ينظر إلى تعاطفهم الجيد مع الكيان الصهيوني الآن.
يستنكر المؤلف استخدام المحرقة من قبل هؤلاء الذين يستخدمون المعاداة للسامية كسلاح سياسي. ويركزعلى تعويض الضحايا لفقدان كرامتهم واحترام تراثهم الحقيقي. يقول نورمان فينكيلستاين مباشرة ودون مواربة إن هؤلاء اليهود الذين يريدون محاربة المعاداة للسامية الحقيقية يجب عليهم أولا أي يعروا "المعاداة للسامية" المزعومة على أنها رياء وخداع. فليقولوا الحقيقة وليحاربوا من أجل العدالة.
وفي الجزء الثاني من هذا الكتاب، نقرأ عن حقوق الإنسان في “إسرائيل”\فلسطين.
أود أن أسجل هنا لنورمان فينكيلستاين موقفه المباشر وموضوعيته الموثقة بالحقائق وتصديه لأكاذيب ألان ديرشوفيتز في كتابه (من أجل إسرائيل) وتوفيره المعلومات الهامة للقارئ من مصادر “إسرائيلية" وفلسطينية ومن منظمات حقوق الإنسان الدولية الذي تجاهلها ديرشوفيتز في كتابه، وكلها استنكرت انتهاكات “إسرائيل” لحقوق الإنسان التي تصل إلى درجة جرائم الحرب.
تم تكريس فصل واحد أطلق عليه بالتصفية (مصطلح نازي) التي شملت اغتيالات “إسرائيل” لفلسطينيين لمحرد الاشتباه التي يبررها ديرشوفيتز. ففي الاننفاضة الأولي (1987-1993)، قامت الوحدات السرية باغتيالات متعددة. وفي أثناء الانتفاضة الثانية، أصبحت الاغتيالات سياسة “إسرائيلية" رسمية ثابتة حتى يومنا هذا. وكذلك تضمن الفصل الاجتياحات غير القانونية واللاشرعية والتي هي عبارة عن إرهاب دولة بل هي جرائم حرب نسبة لاتفاقية جنيف الرابعة 1949.
وتضمن الكتاب أيضا فصلا بعنوان "أبوغريب إسرائيل" حول التعذيب في السجون "الأسرائيلية". ويكفي أن نقف على شهادة المحامية اليهودية (فيليشيا لانغر) الشهيرة بالدفاع عن الأسرى الفلسطينين في السجون "الإسرائيلية" حيث تقول: "عندما رأيت صورا من سجن أبو غريب في العراق على شاشات التلفزة، لقد فكرت في أصحاب قضايا التعذيب الفلسطينيين الذين دافعت عنهم وصرحت علانية إنه هذه وسائل “إسرائيلية" لكسر إرادة المعتقلين وأن الفرق هو عدم وجود صور للتعذيب "الإسرائيلي" للأسف وأن الذين يقومون بالتعذيب في السجون "الإسرائيلية" يتمتعون بالحصانة." وما ذكره المؤلف عن قضية الأسير (سامي إسماعيل) يذكر المحامية لانغر بما شاهدته بأم عينيها ما كان يحدث في السجون والمعتقلات "الإسرائيلية" حيث كانت تتقدم بالشكاوي للمحكمة العليا ولكن دون نتيجة. إني اقترح قراءة هذا الفصل الهام على وحه الخصوص قراءة متأنية حيث واصلت وتواصل “إسرائيل” التعذيب الروتيني للمعتقلين والأسرى الفلسطينيين وما يحدث في هذه السجون والذي جرى وصفه وشرحه في هذا الكتاب لهو حقيقي جدا.
وبالإضافة إلى ذلك يوثق نورمان فينكيلستاين تدمير البيوت كعقاب جماعي. في أثناء الانتفاضة الثانية، بدأت “إسرائيل” باستخدام إجراءات قاسية على نطاق واسع. لقد أصبح الآلاف من الفلسطينين مشردين دون مأوى، والعديد منهم ليس للمرة الأولى في حياتهم. وهذه السياسة انتهاك للقانون الدولي وتم استنكارها من قبل المجتمع الدولي. لقد وثق المؤلف في كتابه دفن الفلسطينيين أحياءتحت ركام بيوتهم. تواصل “إسرائيل” سياسة خنق واضحة بهدف مصادرة أراضي أكثر وأكثر لتخصيصها في بناء المستعمرات وتجعل توسيع البلدات والقرى الفلسطينينة مستحيلا وبغطاء من المحكمة العليا. لقد أوضح المؤلف بأنه بدلا من البحث عن العدل، قامت المحكمة العليا الإسرائيلية" بتشريع اللا شرعي.
يفتح الكتاب كوة في حائط الخداع والنفاق الذي يساعد على الانتهاكات اليومية للإنسان والحقوق المدنية في فلسطين. وهو بلا مراء يضيف صوتا صادقا إلى أصوات الشرفاء الذين يبحثون عن العدالة.