Imageمن رحمة الله بعباده أن فتح لهم باب التوبة وجعل التوبة تطهر الباطن من أدران الذنوب كما يطهر الماء أدران البدن وإذا كان الماء طهارة للبدن فإن التوبة طهارة للقلوب ولذلك جمع الله الأمرين فقال: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين"  فالتوابون هم الذين يغسلون ذنوبهم بالاستغفار والمتطهرون هم الذين يغسلون أبدانهم بالماء وكما أن الله أنزل الماء غيثاً ورحمة جعل الاستغفار غيثاً رحمةً أيضاً "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ومن فضل الله على عباده وإكرامه لهم أنه جعل التوبة النصوح(الصادقة) التي يسبقها الندم ولا يصحبها الإصرار تمحو ما قبلها من الذنوب والخطايا "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"{آل عمران135} نعم إن الصدق في التوبة الذي يقتضي الإتيان بشروطها التي نص عليها الشرع وهي: الإقلاع عن الذنب والندم على ما فعل والعزم على ألا يعود مع إضافة شرط رابع إذا كان الذنب يتعلق بحقوق الناس هو رد المظالم إلى أهلها يمحو الذنوب مهما عظمت فينسيها المسجلين لها من الحفظة "وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون "{الانفطار12:10} كما ينسيها الجوارح الفاعلة لها " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيدهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون"{يس65} وكذلك يمحو أثرها من على الأرض "يومئذ تحدث أخبارها"{الزلزلة 4} وفي توضيح لمعنى محو الذنوب بمثل هذه التوبة يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا تاب العبد أنسى الله الحفظة ذنوبه وأنسى ذلك جوارحه ومحا آثار ذنوبه من على الأرض" وقد ينعم الله على عبده التائب بكثرة الندم والوجل مما سبق منه فيكون ذلك سبباً في زيادة الطاعات واجتناب المخالفات حتى يبدل الله سيئاته حسنات بفضله ورحمته "..إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما"{الفرقان70}

وقد فتح الله باب التوبة لعباده مهما كانت ذنوبهم إذا أرادوا الرجوع إليه "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم"{الزمر53} وقد أشار العارف بالله سيدي أحمد بن عطاء السكندري في حكمه إلى هذا المعنى بقوله :"معصية أورثت ذلاً وافتقاراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكبارا وقوله:"لا صغيرة إذا قابلك عدله ولا كبيرة إذا واجهك فضله" وقوله:" ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وربما قضى عليك بالذنب فكان سبباً في الوصول"ومعنى أن يصير الذنب سبباً في الوصول يكمن في أن العبد يخاف ويندم على ما سلف منه فيستزيد من الطاعات والحسنات التي تجعله أهلاً لوعد الله تعالى في قوله :"وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذكرى للذاكرين"{هود 114} ثم يستأنف العبد بعد ذلك حياة الطهر في رحاب ربه ومولاه الكريم.

و المتقون إذا ارتكبوا ذنباً بنزغ شيطاني تذكروا جلال الله فلجئوا إلى التوبة مسرعين "إن  الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون"{ الأعراف201}. وأود أن أذكر أنه لا حرج على فضل الله فهو رحيم بعباده يمن على من شاء من أحبابه الذين اختصهم برحمته بالتوبة فضلاً منه ولو دون طلب منهم  فينقلهم من ذل المعاصي إلى عز الطاعات ومن سعير الشقاء إلى جنة السعادة فهو سبحانه "يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم"{آل عمران74} فكم من عبد عاش عمراً في مهاوي الغواية وصار برحمة الله يحلق في سماء الهداية فسبحان من أكرمنا بفضله وأفاض علينا من رحمته فقد جاء في الآثار القدسية أن إبليس اللعين خاطب ربه قائلاً: وعزتك وجلالك لأغوينهم ما دامت الأرواح فيهم فرد الله عليه كيده قائلاً: وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ما استغفروني. نسأل الله أن يمن علينا بوافر رحمته وفضله إنه هو الرؤوف الرحيم البر الكريم.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية