كانت النظرة الأخيرة للمرآة قبل خروجه من المنزل قاصداً العمل، فأراد أن يكون ختام لقائه معها بابتسامة عريضة لعلها تنشط عقله باستدعاء ما يحب ويرضى ويجلب السعادة، ولكن ما حدث غريب وأمره عجيب ولا يخطر بباله ولو في الأحلام.
فمهما أجتهد بالابتسامة فلا يراها كذلك من خلال المرآة وكأن لسان الحال يقول بأنها تعكس صورته بحذافيرها ما عدا الابتسامة، فدار الحديث التالي:
هو: من أنت؟ الصورة: من أنا؟ وهل هذا سؤال يحتمل إجابة؟
هو: لكل سؤال جواب ولكل موقف سبب.
الصورة: هدأ من روعك فأنا أنت، وأنت أنا.
هو: وكيف يخاطب العاقل صورته بالمرآة؟ وكيف أعلم من أن ما يحدث الآن حقيقة واقعة.
الصورة: دعك عن هذا، ولنحل الخلاف الذي بيننا.
هو: خلاف! هات ما عندك.
الصورة: يا أنا العزيز خلافي معك سهل وبسيط وصعب ومعقد في آن واحد، وحتى لا أطيل دعني أقول بأنك قد قمت منذ فترة طويلة بتنمية مهارات التواصل لديك مع الناس وأصبحت شغلك الشاغل في الآونة الأخيرة.
هو: دعني أقاطعك هنا، وما الضرر في ذلك؟ وهل أصبح التدريب والتطوير والتغيير عيباً؟ وهل الاهتمام بعلاقاتي مع الناس وتحسينها أمسى أمراً هامشياً.
الصورة: هكذا رد دليل قاطع وبرهان ساطع على ما يصول بخاطري ويجول بعقلي.
هو: أي دليل؟ وعن ماذا تتحدث؟
الصورة: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا).
هو: يبدو أن الموضوع يتصف بالجدية والخطورة، سوف ألتزم الصمت ما دمت تتحدث.
الصورة: أنصت وأفهم بدلا من أن تسمع فقط، وركز معي ولا تشطح بخيالك، لا بد أن تعلم علم اليقين بأن ليس كل ما يبدو ويظهر يعكسه سبب واضح وجلي، وليس كل ما نراه بأعيننا نستطيع أن نفهمه ونقدر على تفسيره، فإن كان هدفك النهائي والأخير هو القبول عند عامة الناس وأن تكون محبوباً من الجميع فطريقك ليس بالطريق ودربك لا يصل إلى ما تتمنى وترغب وتحب وتشتهي.
فالتواصل مع الناس ما هو إلى محور من ثلاث فإن كان هو الأول فالثاني بلا شك التواصل مع النفس والذات، أما المحور الثالث والأخير فهو الأهم والأرقى هو الأعظم والأسمى وهو الذي يحدد الفوز من عدمه، وهو الركن الأكبر وهو الهدف الذي يجب أن تسعى له، فأن أصبته أصبت المحور الأول والثاني من دون شك ولا ريب.
هو: أكاد لا أستطيع أن أصبر حتى أسمع عن هذا المحور العجيب وكيف يكون هناك أمر أهم من التواصل مع النفس والناس.
الصورة: المنهج واضح ومعروف ولكن السير عليه متعب والجزاء مجزي، محبة الله لك هي التي تجعلك مقبولاً ومحبوباً ما بين الناس بل على الأرض، وهنا يكمن السر.
هو: لقد اتسعت مداركي بهذا الجملة القصيرة وأصبح الهدف معروفاً والطريق مألوفاً.
الصورة: الآن، والآن فقط أستطيع أن أبتسم معك وأسايرك لهذا المحور العظيم وهو محبة الله.