يا سادتي..لن يعود المسلمون بحاجة الى أم المعارك ولا أب الحروب لاستعراض قدراتهم, بل ستتجلى هذه القدرات عبر الرقّة الإنسانية ووداعة الكرامة..لهذا أترككم سادتي مع " شهرزاد " (( فاطمة المرنيسي وبتصرف)).
ما هي حكاية شهرزاد ؟
كان يا ما كان, وفي سالف العصرِ والأوان, ملكٌٌٌ مغرورٌٌٌ من ملوكِ ساسان, يُكابر أن تأسر قلبه إمرأة مهما بلغت من شان, كان هذا الملك ويُدعى شهريار, يتزوج كل ليلة من إحدى الجواري الحسان, وفي الصباح يتخلّص منها غير آسفٍ ولا ندمان, إلى أن التقى صبيّةً حُلوة, مثقفة مغناج, قد قرأت سير الأولين, وأخيار الأقدمين, تُدعى شهرزاد, ذات حسنٍ فتّان, ولحديثها سحرٌٌٌ وسلطان, راحت تقصُ عليه عجائب الزمان, وغرائب المكان, وحكايات الإنس والجان, وما يخلب اللب والجنان, وبعد ألفِ ليلةٍ وليلة, وقع الملك الألعبان, في حبّ شهرزاد, حتى بقيت معه إلى آخر الزمان, وهكذا انتصرت حلاوة اللسان على غرور الإنسان. (( تمّت))
ولكن ما نبصره أن أعتى الحروب التي تدور رحاها على خشبة الكون الفسيح مذ شقشقة نور الحياة, تُعزي أسبابها إلى ذلك المخلوق الوديع الذي تتفطر منه الرقّة والحنان والعذوبة والجمال, وقد قالها ً نابليون مرةً " فتّش عن المرأة "!
تأّمل معي أيّها القارىء, لما تُعلق المرأة دوماً على مشجب المحاكمات والمرافعات على وجه الأرض, فهل هي السلاح المضاد لقوانين الكون, ودساتير الإنسانية!, وهل هي تمثل فقط الوجه الخاضع الخانع, المستسلم لأحكام الحياة العاتية, كما هي, دون تحريكٍ من قِبلها ولو بقيد أُنملة!
حتماً لا, فالشّهرزاديات تغنيّن بأعذب تراتيل التغيير الإيجابي المنشود على مر العصور, بعد مراسٍ ومرانِ في مدرسة الدستور الإلهي والهدي النبوي, فها هي بطلة حكاية ألف ليلة وليلة, التي لم تستلم كغيرها من الحسناوات, أمام جبروت الملك وسلطانه, وأفعاله الحمقى التي تتكرر كل يوم بجز أعناق قوارير المدينة الرقيقات بعد النيّل منهن, بل آثرت أن تكون هي من يعتق رقاب المتبقى منهن, بل وإحداث تغييرٍ جذري في مجتمعها, وتحويل الصورة القاتمة القابعة في ذهن الملك الى صورة مشرقة بهيّة عن بنات جنسها, فماذا فعلت؟
الصورة بعدسة فاطمة المير.
انطلقت شهرزاد الى قصر الملك, حاملة رسالة.. مؤمنة بها, مفادها أنّ ((السحر كامنٌ فينا..أجل السحر كامنٌٌٌ فينا )), وكانت تُحدث نفسها بثقة فائقة قائلةً " إن الله عزوجل أودع فينا -نحن القوارير-, طاقة عطاءٍ نورانية, كفيلة بشعشعة العالم سلاماً وأمنا, وحباً وجمالا, فما علينا سوى اخراجِ هذا السيّف من غمده, وامتشاقه ببسالة !"
في أول ليلة, وبعدما زُفت إلى شهريار بإكليلِ زفافها الأبيض, استقرأت روحه, وتمطّت في خرائط ذاته, تعرفت على مواطن الضّعف في نفسه, وعزفت عليها برقة, ليس للتّسلطِ والتّمرد على شخصه, والهيمنة والسّطوة على ذاته, بل للإرتقاء به ونزع الأشواك السقيمة في نفسه, وغرس بذارِ الحياة الحقّة البهيجة, فراحت تستنجد بما لديها من ذخائر البلاغة والفصاحة والبيان لمداواة جراحه الغائرة, من خلال سرد الحكايات والقصص والأخبار التي تحبس الأنفاس, بإسلوبها الأدبيّ الفنيّ الجاذب, لتنتشله شيئاً فشيئاً من العالم المُظلم المُقفر, إلى العالم المُشرق المُزهر, الزاخر بقلائد الحكمة, وجواهر الأدب, ونفائس الشعر, وهكذا استمرت بجسارة ..ولم تسأم طيلة ألف ليلةٍ وليلة, حتى تبّدل حاله, وتعّدل رأيه ,حينها قالت قولتها الشهيرة, بعدما نضب ذلك النهر الأدبي البلاغي المُنساب من ثغرها الكرزي اليانع:
يا ملك الزمان وفريد العصر و الأوان : إني جاريتك ولي ألف ليلة وليلة, وأنا أُحدثك بحديث السابقين ومواعظ المتقدمين, فهل لي في جنابك من طمعٍ حتى أتمنى عليك أمنية ؟
فقال لها الملك :
تمني تُعطي يا شهـــــــــرزاد.
فصاحت في الدادات والطواشيّة و قالت لهم :هاتوا أولادي, فجاؤوا لها بهم مسرعين, و هم ثلاثة أولاد ذكور واحد منهم يمشي,وواحد يحبو,وواحد يرضع.
فلما جاؤوا بهم, أخذتهم ووضعتهم أمام الملك وقبّلت الأرض وقالت :
يا ملك الزمان...إن هؤلاء أولادك و قد تمنيت عليك أن تعتقني من القتل إكراماً لهؤلاء الأطفال, فإنك أن قتلتني يصير هؤلاء الأطفال من غير أم و لا يجدون من يحسن تربيتهم من النساء !
عند ذلك بكــــى ~شهــــــــــــريار~ و ضم أولاده و قال :
يا شهـــــــــــــرزاد, و الله أني عفوت عنكِ قبل مجيء هؤلاء الأولاد لكوني رأيتكِ عفيفةٍ نقية, وحرةً تقية ...بارك الله فيكِ و في أبيكِ و أمكِ و أصلكِ و فرعكِ, و أشهد الله علي أني قد عفوت عنكِ من كل شيءٍ يضرك.
هنا قبّلت ~شهـــــــــرزاد~ يديه و قدميه وفرحت فرحاً زائداً و قالت:
أطـــــــــال الله عمرك وزادك هيبةً ووقاراً.
و بالطّبع شاع السرور في سراية الملك حتى انتشر في كل أنحاء المعمورة, و كانت ليلة لا تُعد من الأعمار, لونها أبيض من وجه النهار, و أصبح الملك مسروراً و بالخير معموراً.
فأرسل الى جميع العسكر فحضروا, وخلع على وزيره ~أبــــــــي شهـــــرزاد~ خلعة سنية جليلة و قال له :
سَترك الله حيث زوجتني ابنتك الكريمة التي كانت سبباً لتوبتي عن قتل بنات الناس , و قد رأيتها حرةً نقية, عفيفةً زكية, و رزقني الله منها ثلاثة أولاد ذكوراً و الحمدلله على النعمة الجزيلة.
كانت هذه الحكاية, بمثابة الرسالة البيضاء الناصعة الى معشر القوارير, اللواتي سرعان ما يستسلمن, ويخضعن, ويخنعن, أمام أي تيارٍ عاصف, يثنيهن عن أداء رسالتهن الحضارية المرسومة في الدستور الإلهي, والهدي النّبوي, وبالتالي تلصق بهن الأباطيل, كما يبتغيها المعادين.
فأنا وأنتِ وأنتنّ, شقائق الرجال, صانعات الأجيال, سفيرات الدعوة, ومجددات للحضارة الإسلامية, علينا واجب تنموي حضاري كبير لإقالة العثرات, وسد الثغرات, فما عاد النحيب على الحال يُغني, بل المضي قدماً بإيمانٍ ويقين يُجدي, فصلاح الأمة من صلاحنا, على حد قول قاسم أمين في متن كتابه تحرير المرأة:
(( إن التاريخ يحدثنا أن هناك تلازماً بين انحطاط المرأة وانحطاط الأمة وتوحشها , وبين ارتقاء المرأة وتعليمها وتقدم الأمة ومدنيتها )) .
وشوشة أخيرة:
في داخل كل منّا سيّف شهرزادّي فتّاك, ولكن من يخرجه من غمده ؟
أترككم مع تأملاتكم !
_____________________________________
• قاسم أمين, اختلف معه فكرياً, إلا انني مؤمنة, بأننا وان اختلفنا, فلابد أن نلتقى عند مفترقات فكرية منطقيّه.