إن الحديث عن علم التسويق يجبر المرء على التواضع والحذر، فهو بحر لا ساحل له، وساحل لا نهاية له، ونهاية لا بداية لها، وهذا لاعتقادي الكبير بأن التسويق يرتبط بالإنسان بصورة وثيقة لا فكاك منها، لذا ارتأيت هنا إسقاط بعضًا من مفاهيمه على الإنسان بدلًا من المنتج والخدمة.
يُعرّف معهد التسويق المعتمد بالمملكة المتحدة التسويق CIM التسويق على أنه "العملية الإدارية المسؤولة عن تحديد وتوقع متطلبات العميل، والوفاء بها على نحو مفيد ومربح". ولن أزيد هنا فما يهمني هو التحدث عن المزيج التسويق (Marketing Mix) وربطه بذواتنا المختلفة وشخصياتنا المتنوعة.
تم استخدام مفهوم المزيج التسويقي للمرة الأولى سنة 1965 على يد البروفوسور نيل بوردن من كلية هارفارد للأعمال، والذي لخص مفهوم المزيج التسويقي كالتالي: "هو خطة منهجية ترشد إلى كيفية التعامل مع التحديات التسويقية عن طريق استخدام:
أ. القوى الناتجة عن تفاعلات السوق والمؤثرة على عمليات المنظومة التجارية
ب. العناصر المكونة للبرامج التسويقية، من سياسات وإجراءات".
فالمزيج التسويقي هو إطار يساعد على بناء وتشكيل طريق ومنهج كل سوق، وهذا المزيج عبارة عن مجموعة من المتغيرات التي يمكن التحكم بها، والتي تُعرض على المستهلك وتؤثر عليه، وهذه المتغيرات تتضمن المنتج من حيث مزاياه وتوافره، والمكان والزمان الذي يكون متاحًا فيهما، وما إذا كان يتم توزيعه وتسليمه، وكذلك صورة ذلك المنتج من حيث طريقة عرضه بصورة مغرية للعملاء، وأيضًا السعر الذي ينبغي أن يباع به.
بصراحة شديدة وبتواضع أشد، تأملت ما سبق وسمحت لأفكاري تصول دون قيد وتجول بلا شرط، وتوصلت لنتيجة مفادها، إن كنا نحن البشر نستخدم التسويق وهذا المزيج التسويقي لتحقيق أهدافنا التجارية وغير ذلك، فلماذا لا نستخدمه بصورة شخصية وذاتية حتى نحقق أهدافنا وما نصبو إليه؟
لذا سوف أشرح باختصار عناصر هذا المزيج من ناحية المنتج ثم أسقطه على الإنسان من خلال أسئلة تحتاج الإجابة عليها إلى الذهاب بالعقل إلى فكر جديد قد لم تذهب إليه من قبل، مما يجعل منها مغامرة ممتعة لمن أراد، ورحلة مخيفة لمن شاء، وتجربة لا طعم لها ولا رائحة ولا لون لمن مات في الدنيا منذ زمن طويل وهو لا يدري وقلبه ما يزال ينبض بالحياة، وهذه مصيبة ويا لها من طامة!
أولًا: المنتج (Product): ويعني هذا جودة المنتج ووظائفه، وخواص تصميمه وفوائده، لذا سوف أسقطه على شخصية الإنسان:
1. هل جميع القيم التي تؤمن بها تنبع من معتقداتنا الإسلامية؟ فإن كانت الإجابة بنعم، كيف عرفت؟ وإن كانت الإجابة غير ذلك، ماذا فعلت لتصحح من منهجك وتعدل من مسارك؟
2. هل لديك المهارات القيادية اللازمة لقيادة حياتك بدلًا من إدارتها فقط ؟
3. ما نقاط قوة شخصيتك؟ وماذا فعلت حتى تستثمرها بحياتك؟
4. ما مكامن ضعف شخصيتك؟ وماذا فعلت لتنميتها؟ وهل للتدريب مكانًا في خططك؟
5. هل هناك توافق فكري وعملي ما بين قلبك وعقلك؟ ومن يقود حياتك الأول أم الثاني؟
6. كيف تحافظ على استعدادك النفسي لمواجهة ظروف الحياة المتغيرة بصورة طيبة وراضية؟
7. هل أنت راضٍ عن تفاعل شخصيتك مع المواقف المختلفة التي تواجهها بحياتك؟ وهل لديك المعارف والمهارات الضرورية التي تعينك دائمًا؟ وهل تدعمها بمهارات تواصل عالية وسلوكيات معتدلة في مختلف الظروف؟
ثانيًا: السعر (Price) ويتضمن ذلك الأسعار الموصي بها لمستخدمي المنتج من المستهلكين، لذا سوف أسقطه على تقدير الإنسان لنفسه واحترامه لها:
1. هل تُقدر ذاتك وتحترمها؟ وهل تعرف العلاقة ما بين معرفتك لقَدْر الله وعظمته وقدْرك ما بين الناس ونفسك؟
2. هل تهمك السمعة الطيبة؟ إن كان كذلك، ماذا فعلت لتحقيق هذا الهدف؟
3. هل تعتقد بأنك تتحلى بالأخلاق الإسلامية العامة؟ وهل تعرف ما الخُلق التي تحتاجه الآن؟ وهل تعرف كيف تتعلمه حتى يصبح جزءً منك؟
4. ما الصورة التي تتكون بذهن من تراهم حين يرونك؟ وما الشعور الذي يتملكهم حينئذ؟
5. هل تعرف قوة كلمة "لا" ومنزلتها؟ وهل تستخدمها بوقتها وعند الضرورة؟
6. هل تتنازل أحيانًا للآخرين مع علمك بخطأ ذلك؟ وهل تعرف كيف تحافظ على منزلتك ما بين الناس؟
7. هل تحترم الآخرين بمختلف مستوياتهم؟ وهل تعرف كيف تفرض احترامك على الآخرين؟
· ثالثًا: المكان (Place): من حيث أين ومتى يقوم المستهلك بشراء المنتج واستهلاكه، لذا سوف أسقطه على حُسن استغلال الوقت والمكان.
1. من هم أصحابك؟ وكيف عرفت بأنهم كذلك؟ وهل تعرف ما يجمعكم؟ وما قد يفرقكم؟
2. كيف تقضي وقت فراغك؟ وأين تقضيه؟ ومع من؟ وما الفوائد التي تجنيها من جراء استغلال وقت فراغك الآن؟ وما الفوائد الأخرى لو استطعت أن تستثمر فراغك بصورة مثلى؟
3. هل تسير وفق أهداف معينة من خلال خطة محددة؟ وهل تعلم لماذا أنت في هذا المكان أي مكان؟
4. كيف تدير ما يحدث بحياتك؟ وهل تقدر الوقت وأهميته؟ وهل أنت ملتزم بمواعيدك؟
5. هل أغلب الأماكن التي تذهب إليها ترتقي بحياتك؟ وإن كان هذا صحيح، كيف عرفت؟
6. هل تحب عملك؟ إن كان كذلك، ما مؤشرات ذلك؟ وإن لم تكن تحب عملك، ماذا فعلت لكي تحبه؟ وماذا فعلت حتى تغيره؟
7. هل لديك الشعور بأنك قد استثمرت حياتك بصورة طيبة؟ وهل أنت راضٍ عنها حاليًا؟
رابعًا: الترويج (Promotion): وهو مزيج من أدوات الاتصال بالعملاء، ويتضمن ذلك الإعلان والدعاية والامتيازات التي تمنح للعملاء لتحفيزهم على الشراء. وهنا سوف أسقطه على كيفية تسويقك لذاتك؟
1. كيف تُعبر عن أفكارك؟ وهل تعلن عنها؟ وما الأساليب التي تتبعها؟ وما الأدوات التي تستخدمها؟ وهل تعرف الحجج والبراهين التي تستند عليها أقوالك؟
2. هل أفعالك تجعل الناس تتحدث عنك بالخير دائمًا؟ وهل تعرف سر قبول الناس لك؟3. هل تعرف كيف تتفاوض مع الناس حولك؟ وهل تعرف كيف تكون مقنعًا ومؤثرًا؟ وهل أنت لمّاح لكلمات الموافقة والقبول لرأيك؟ وهل تعرف كيف تبدأ حديثًا وكيف تنهيه ومتى؟4. هل ترى الفرص العابرة بكل الظروف؟ أم تركز على المصاعب والعقبات؟ وهل تعلم بتعريف المرونة الحقيقي وليس الشائع البسيط؟5. هل تعرف كيف تختار كلماتك؟ وهل تعرف كيف تبني منها جملًا مؤثرة وقوية؟
6. هل الإصرار من طبعك؟ وهل الفأل هو جُل ما تحبه؟
7. هل تعتقد بأن كل نشاط تقوم به يُعبر بشكل أو بآخر عنك؟
خامسًا: الدليل المادي (Physical Evidence): ويضمن هذا المنهج الطريقة التي يظهر بها مكان الخدمة وكيف يبدو كل شيء فيه، فقد يؤثر ذلك على العميل قبل حتى أن يدخل مكان الخدمة. وعليه سوف أتحدث هنا عن المظهر الخارجي.
1. كيف تظهر للناس؟ وماذا تلبس من ثياب؟ وماذا عن الطيب والرائحة الزكية؟
2. هل لديك ابتسامة حقيقية نابعة من القلب تستند على طاعة؟ وهل هي على مُحياك غالب الأوقات؟3. هل مكانك دائمًا نظيف؟ وهل قلبك أنظف من ذلك؟
4. هل التواضع من شيمك؟ وهل عدم التكلف والبساطة من أخلاقك؟5. هل تقلد غير المسلمين بثيابهم وأشكالهم؟
6. هل تحكم على الآخرين بمظاهرهم؟ وهل تعلم بأن الجوهر والمضمون أهم من الشكل والصورة؟7. هل تعلم بأنك إن حاولت إظهار صورة زائفة عن نفسك فهذا يعني بأن لديك مشكلة في قبول صورتك الحقيقية؟
سادسًا: الناس (People): العاملون الذين يقدمون الخدمة هم في الواقع واجهة للسياسات التسويقية للمنظمات، لذا تقع عليهم مسؤولية كبيره في ترك انطباع جيد لدى العملاء. هنا معاملة الناس.
1. هل أنت متجرد من ظنونك حول الناس؟ وهل أنت موضوعي بانطباعاتك عن الآخرين؟
2. هل تعرف كيف تتعامل مع الناس باختلاف أنماط شخصياتهم؟ وهل تعرف كيف تستجيب لسلوكياتهم المختلفة؟
3. هل تعرف كيف تحسب توقعات الآخرين منك؟ وهل تعرف كيف تتخطاها أو تتعامل معها؟
4. هل تعرف كيف تحقق الألفة مع الناس؟ وهل تعرف الأهداف المشتركة معهم؟
5. هل تعرف كيف تستخدم لغتك غير اللفظية (لغة الجسم) مع من تتعامل معهم؟ وهل تحاول تحسين ذلك وتطويره؟
6. هل تعرف كيف تُحدث شعور إيجابي في نفوس الآخرين؟
7. هل تعتقد بأن الرحمة والاحترام والثقة هم من ركائز العلاقات الإنسانية؟ وهل تطبق ذلك على واقع حياتك؟
سابعًا: إجراءات إنتاج الخدمة (Procedures): يمكن للعملاء أن يروا إجراء تأدية الخدمة بالفعل، على سبيل المثال مشاركة العميل في عملية إصدار تذاكر السفر. وسوف أسقط هذا على التفاعل مع البيئة المحيطة.
1. هل تحب الصحبة والجماعة؟ أم تفضل الوحدة وعدم التفاعل مع مجتمعك المحيط بك؟
2. هل ترفض دائمًا كل جديد وما يخالف آرائك؟ أم تفكر قليلًا قبل الاستجابة لهذه الأمور؟
3. هل تحب أن تستكشف ما حولك؟ وأن ترتقي بمعلوماتك دائمًا نحو الأفضل؟
4. هل تعرف كيف تكون منصتًا جيدًا؟ وهل تعرف كيف تسأل عما تود معرفته؟
5. هل تحسن الظن بالناس؟ وهل تعطيهم أعذارهم السبعين؟
6. هل تعطي أكثر دائمًا بكل موقف؟ وهل تعرف دورك جيدًا بمحيطك؟ وهل أنت عنصرًا فعالًا لما هو خير لمجتمعك؟
7. هل محبة الله في قلبك ورسوله؟ إن كانت الإجابة بنعم، كيف عرفت ذلك؟
نخلص هنا بأن كل منا خلقٌ عظيم كرمه الله سبحانه وتعالى، لذا فإن الباحث عن إجابات جاهزة سوف يخسر الكثير بلا شك ويصيبه شيئًا من الحيرة وبعضًا من الحزن، فسعادة الإنسان برأيي تكمن بتوافق القلب (العقيدة) والعقل (القيم) وانسجامهما معًا من خلال محبة حقيقية لله ورسوله.