التاريخُ كما نفهمه ُ صورة مقربة تعكس واقع حركة الانسان في محيطهِ بغض النظرِ عن ماهية هذه الحركة وزمانها ومكانها الا انها مجملا بدأت مع بداية وجود الانسان على هذه الارض.
وكلمة التاريخ الانساني كلمة كبيرة ومعبرة ومثيرة للفضول ِوالشغف ِوالرعب ِ ايضا؟
وربما رسخ َ في اذهاننا ان ّ كلمة التاريخ تعني السجل َ المدون لاحداثٍ مضت.
وهذا التعبير فيه من الاجحاف والقصور مافيه!!
ان التاريخ هو الروح المعبرة عن وجود الانسان وذاتهِ منذ ُان قدّر الله ُ عزّ وجَل له الوجود على هذه الارض والى يومنا هذا وستبقى كذلك,وكيف َ لتلك الروح ِ أن تذوي او تندثر او تزول؟؟؟.
ومنذ الازل ظلّ الناس يتفاعلون مع محيطهم تفاعلا حياَ وان تعددت اشكالهُ وصوره ُ واساليبه تبعاُ لاختلاف الازمنة والامكنة وبشكل ٍ عكس َ طبيعة المؤثرات والظروف المحيطة بهم.
ظلّوا يعيشون على هذه الارض تدفعهم غرائز البقاء والموت وحب الذات ونكرانها في سبيل هدف سام ٍ اوحتى تافه,وغرائز الشبع والجوع والسخاء والبخل وغرائز الحاجة للأخر ذكراً كانَ ام انثى فرداً كان ام جماعة وحب العزلةِ والتخفي عن الانظار,غرائز الالتصاق بالسماء وقيمها العالية ونزعة الخلودِ للارض والتواري في العدم.
والناس من حيث انهم وجدوا في زمانهم ومكانهم من غير رغبةٍ منهم ولا ارادة ضلّوا يتصارعون فرادا وجماعات لتغيير اقدارهم حيث ما كانت الى ذلك وسيلة غير انهم بطبيعة الحال مختلفون في طبيعة المواهب والمقدرات والرغبات تبعاَ لعوامل ذاتية معروفة واخرى خارجة عن قدرتهم غير انهم ملزمون في كل الاحوال بالبحث عنها والتكيّف معها وتسخيرها لصالحهم.
ومن هنا نفهم سرّ ذاك الشمول والتشعب في مفردات التاريخ الانساني لانه بطبيعة الحال يساير الانسان لحظة ً بلحظة حيثما طالت يده, ومال قلبه, وتشعب فكره, وتداخلت مصالحه ,وتعددت وسائله للوصول الى مبتغاه.
انّ المرءَ ليشعرُ بعجزهِ وضألة حجمهِ امام هذا التراكم الكمّي والنوعي في مفردات هذا التاريخ الممتد عبر حقبٍ مديدة من الزمن؟؟
وكيف لا وهو تاريخ اناس عاشوا وماتو وأكلوا وجاعوا ولبسِوا وتعرّوا وحاربوا وسالموا وَظلموا وُظلِموا واتفقوا واختلفوا وعبروا عن مشاعرهم واحاسيسهم ورغباتهم وطموحاتهم واشواقهم وتطلعاتهم وغرائزهم بشتّى الوسائل المشروعة وغير المشروعة ايضاً.
وهو تاريخ اناس بنوا ووعمّروا وصنعوا واخترعوا وسكنوا الاودية والجبال والصحارى والقفِار والمدن والكهوف والجزر ايضاً.
وهو كذلك تاريخ اناس ٍ كتبوا ودونوا وأشعروا ونثروا ونحتوا ورسموا ومع هذا فهم لم يكونوا الات ٍ او معادنَ او حتى ببغاوات بل انهم بشر ُ بكل ماتعنيه هذه الكلمة؟؟
ومن هنا نفهم سرّ احساسنا الغريب ونحن نقرأ سيرهم ونطالع اخبارهم ونشاهد اثارهم اوماتبقى منها.
انه احساس عجيب ينقلنا من لحظتنا الراهنة لنسيح َمعهم في عوالمهم السالفة لنحس بنبض قلوبهم وخلجات ارواحهم وصوت انفاسهم.
وهو كذلك خليط من مشاعر نستشفها بين سطور كلماتهم واشعارهم وقصائدهم وخطبهم وملاحمهم ولوحاتهم.
انه احساس يتمازج فيه الألمُ والامل والوفاءُ والغدر والرفعة ُوالضعِة والجوعُ والعطش ولحظة الحب الحالمة ولحظة الفراق المرير ولحظات حب الحياة والتشبث بها ولحظات النزع الاخير أو الموت في سوح الوغى أوعلى الفراش الوثير أو حتى في بطون السباع والاودية السحيقة.
انهُ شعورُُ تتسامى فيه النفس الانسانية لتعيشَ الحدث َكأنها تعاصرهُ او هكذا مع كلّ مفرداتهِ وشخوصهِ لاسيّما اولئك الاعلام والافذاذ وكبار الشأن.
وهو كذلك شعور قد يدفع النفس الانسانية الى التقزز ِوالنفرةِ والتشفي والاعتبار ايضا بأحوال البعض ومأسيهم ومصارعهم وعجيب اقدارهم!
وهو كذلك شعور يتمايز فيه الحق عن الباطل والنور عن الظلمة والايمان عن النفاق والكفر والصدق عن الكذب والرياء الىّ في حدودٍ ظنّ اصحابها انهم يخادعون الله والناس وما يخدعون الى انفسهم لانّ المعاني الطيبة والقيم العالية هي مشتركات ٌانسانية ٌوحاجة الناس لها كحاجتهم للهواء والماء وسعيهم من اجلها يهون في سبيله كل شىء. مع التاكيد على هناك من البشر من لايتطرق الشك ُالى سيرهم ولا نواياهم ولم يستطع كل المزيفين أ ن ينالو منهم لاسيما الانبياء واصحابهم المخلصون ومن سارَ على دربهم وغيرهم من اولئك الذين عاشوا من اجل قضايا اممِهم وشعوبهم الطامحة للتحررِ والعيش الكريم وبغض النظرِ عن دياناتهم ومذاهبهم ومعتقداتهم.
وهنا دعوة للنظر والتأمل في هذا التاريخ الكبير,دعوةتتجاوز حدود الزمان والمكان وتلك الاطرِ النرجسيةِ والخيالية وبشكل يجمع بين الجوانب المادية والمعنوية والتي قام على اساسها وجود الانسان.
دعوةلاستقراء هذا التاريخ عموما مع بقاء الاولويات المرتبطة بخصوصية كل امةٍ تريد ان تعيد امجادها وتأخذ باسباب النصر والرفعة مع الاعتباربخصوصية الزمان والمكان ايضاً ولاشىء يمنع بعدها من السياحة في هذا العالم الكبير عالم التاريخ الانساني بكل صفحاته وربما لايستطيع احدٌ مهما عاش من ان يحيط َبه ولاضيرَ في ذلك المهم ان نبدأ وصدق من قال انّ مسيرة الالف ميل تبدأ بخطوة.
عمار المشهداني