فى بدايات التاريخ قتل قابيل هابيل و من بعده لم تتوقف الحروب و لم تنطفىء شرارة الحسد على وجه الأرض ... بداخل كل انسان طاقة تسمى الرغبة تحركه و تدفعه لتحقيق أمنياته و البحث دون توقف عن مزيد من الأهداف, عندما تصطدم هذه الطاقة النشطة " الرغبة " بعوائق تضطر للتراجع خطوة الى الوراء تصاب فيها باحباطات و ضغوط و عندما تنظر حولها و ترى آخرين حققوا ما لم تستطع تحقيقه يتفجر بداخلها الغضب, و هذا أول أسباب اندلاع الحسد بداخل الانسان, أما السبب الثانى فهو حاجته الملحة لتقييم ذاته و معرفة " كم يساوى؟ ", فيقوم بمقارنة نفسه بالآخرين, كل فرد يود أن يكون أفضل حالا, و أعلى شأنا و أكثر تقديرا, و عندما يقارن نفسه بالآخرين و يشعر بالغيرة يأخذ فى التقليل من شأنهم و قيمتهم و عدم تقديرهم و انكار استحقاقهم لما هم عليه, أى أنه يحاول أن يرفع من شأنه من خلال الاحتماء بخط دفاع هو الهجوم على الآخرين, فى الوقت نفسه تتغذى نيران الحسد بداخله بغضب المقارنة.
المثل الأجنبى يقول " العشب يبدو دائما أشد اخضرارا على الجانب الآخر من السياج " بمعنى أن الانسان عزوف بطبعه عما فى متناول يده, متطلع أبدا الى ما ليس له أو الى ما منع عنه.
من أمثال العرب فى ذلك " المرء تواق الى ما لم ينل " و هناك أيضا قول قائل " رأيت النفس تكره ما لديها و تطلب كل ممتنع عليها ".
و من الأمثلة التى قيلت فى الحسد أن الحسد مطية التعب أى أن الحاسد غايته تعب و أن الحسد يذيب الجسد أى أن الحاسد لا يضنى الا بدنه و لا يضر الا بنفسه و معناه أن الحسود يرى ثراء الغير فيصيبه الهزال و قيل انه كلما غالى الحاسد فى حسده أكل الحسد قلبه و ان كل حاسد فاسد ... كما قال الأمام على : لله در الحسد ما أعدله يقتل الحاسد قبل أن يصل الى المحسود, و قال ابن المعتز فى هذا المعنى : اصبر على حسد الحسود فان صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله, و قد سئل ارسطو : ما بال الحسود أكثر غما؟ فكان رده : لأنه أخذ نصيبه من هموم الدنيا و يضاف الى ذلك غمه لسرور الناس!.