إن الرغبة في تحقيق إنجاز ما باستخدام التفكير التقليدي قد لا يترك أي أثر يذكر في الحياة، وذلك لأن الانجازات الحقيقية تحتاج إلى رغبات حقيقية يصدق بها الإنسان مع نفسه، وبالتالي يعكس هذه الرغبات ويحولها إلى واقع ملموس ومشاهد.
لم يخلقنا الله سبحانه وتعالى عبثًا، فلكل منا دوره في المجتمع الذي يعيش فيه بغض النظر عن حجم ذلك الدور، فالتفاعل مع المجتمع بثقافاته المختلفة يُعد أمرًا فطريًا للإنسان، لذا فالأصل هنا هو النتائج المترتبة على هذه التفاعلات الإنسانية لينتج منها إنجازات يرتقي بها المجتمع ويتميز بها.
وفي حملة ركـاز لتعزيز الأخلاق العاشرة تحت شعار"فاز، من حياته إنجاز" المباركة خلال الفترة من 5 مارس إلى 20 مايو 2009، يصاحبكم هذا النموذج الذي هو عبارة عن أداة مساعدة ترشدنا نحو الإنجاز وتنير لنا معالمه حتى يكون لنا الطريق معروفًا والدرب مألوفًا فيسهل بذل الأسباب أما التوفيق فنتركه لله سبحانه وتعالى فهو الكريم الحليم.
مراحل نموذج ركاز للإنجاز:
المرحلة الأولى: الرغبة الحقيقية
من المهم جدًا تحديد أهداف لإنجازات واقعية تساير إمكاناتنا وقدراتنا المتاحة، حتى لا تكون تلك الأهداف عبئًا علينا بدلًا من أن تكون طريقًا نرتقي به ونسمو، لذا وجب أن نحول هذه الرغبات العادية إلى رغبات ملحة بحيث تكون لنا دافعاً قوياً يدفعنا نحو الانجاز والتميز، ونستطيع عمل ذلك من خلال العناصر التالية:
أولًا: تحديد الإنجاز
إذا ما أردنا أن نعيش حياة مثمرة تعود علينا بالنفع "والربحية الحياتية" وجب علينا اختيار الإنجاز المطلوب تحقيقه ومن ثم تحديد أهدافنا وربطها بنتائج معينة، وذلك حتى يكون لتحقيق هذا الإنجاز عائدًا ذاتيًا يعيننا على أمور الحياة وظروفها المتغيرة. إن تحديد الأهداف ليس أمرًا كماليًا بل هو ضرورة ملحة لتحديد اتجاهاتنا في الحياة لنوجه كافة نشاطاتنا وأفعالنا وسلوكياتنا نحو تحقيق تلك الأهداف، وبهذه المنهجية الحياتية نستطيع توقع النتائج المترتبة على تحقيق إنجازاتنا مما يمثل دافعًا ذاتيًا نحو الإنجاز.
ثانيًا: قيادة الذات
إن وجود رغبة ملحة نحو الإنجاز تحتاج إلى قيادة ذاتية إيجابية للنفس حتى نستطيع أن نتحكم بهذه النفس بدلًا من أن تتحكم هي بنا، وأيضًا حتى تلازمنا تلك الرغبات بمختلف الظروف والأوقات والأمكنة، فلا مجال هنا إلى "لعل" ولا مكان هنا للأماني والتمنيات. ونقصد بالقيادة الذاتية للنفس توجيه كافة النشاطات والسلوكيات التي نقوم بها نحو هدف منشود بقصد تحقيق نتيجة محددة وتحمل مسؤولية ذلك، بحيث يكون زمام الأمور بيدنا نحن وليس بيد الآخرين، ولذلك فإنه من المهم للغاية أن تكون تلك الأفكار حاضرة بالقلب والذهن بحيث تدفعنا بصورة مستمرة نحو الفعل الجاد والعمل الدؤوب، فأنت القائد الوحيد الذي يُحول تلك الأفكار الإيجابية والحاضرة في ذهنك إلى أفعال على أرض الواقع.
ثالثًا: التأكد من القيم
إن تحديد الأهداف مع القيادة الذاتية للنفس لا يصنعان رغبة حقيقية إلا بعد أن نقوم بالتحقق من أن تلك الرغبات تتفق مع قيمنا ولا تختلف معها، حيث أن تعارض الرغبات وقيمنا الذاتية قد يؤدي إلى خلق خلاف نفسي داخلي ينتج عنه تعارض الأفكار في الذهن وتباينها وتشتتها، فتضيع الجهود، وتقل الإنتاجية والأداء العام، وبالتالي تضعف الهمة والعزيمة، وهنا بلا شك تبرز أهمية القيم في حياتنا بحيث تكون رغباتنا الملحة تتلاءم معها وتوافقها، وذلك لدورها الكبير في تحديد رؤية الإنسان ومن ثم اتجاهه في الحياة.
المرحلة الثانية: الموقف الحالي
يجب علينا في هذه المرحلة أن نتعرف على الفرص المتاحة من خلال رؤية الأمور وحقائقها بصورة موضوعية، أي أن نراها بشكل نتجرد به من أهوائنا الشخصية ليتسنى لنا أن نرى الظروف المحيطة بواقعية من خلال النقاط التالية:
أولًا: استكشاف الظروف والاحتمالات والبيئة المحيطة
استكشاف الظروف المحيطة بنا بصورة تدعم رغباتنا الحقيقية، بحيث نوجه أنظارنا - التي يجب أن تتصف بالإيجابية - نحو الاحتمالات التي تعيننا على تحقيق الانجازات التي نصبو إليها.
ثانيًا: التعلم من خبراتك
يجب ألا نغفل هنا عن خبراتنا الذاتية للاستفادة منها وتسخيرها في تحقيق الانجاز المطلوب بحيث تشكل داعماً إيجابيًا في هذا الاتجاه.
ثالثًا: التعلم من خبرات الآخرين وتجاربهم
لا شك أن خبرات الآخرين في نفس مجال الإنجاز تقدم لنا "قيمة مضافة" في هذه المرحلة بحيث نرى الأمور من زوايا مختلفة تولد لنا أبعادًا جديدة للإنجاز الذي ننشده.
رابعًا: استشارة الآخرين
إن استشارة أصحاب العقول النيرة والتجارب الناجحة، وكذلك أهل الاختصاص والثقات لأمر يعزز هذه المرحلة، ويُكون لدينا خبرات حياتية تراكمية تيسر لنا الطريق نحو الانجاز.
المرحلة الثالثة: اتخاذ القرار
تعتبر صناعة القرار محصلة لعمليات ذهنية تقودنا نحو مسارات مختلفة من الأفعال، والتي يحتوي كل منها على خيارات متعددة، وفي نهاية الأمر ينتج عنها اختيار معين بغض النظر عن نوعية الإنجاز وطبيعته. إن الانجازات الحقيقية ترتبط بوجود قرارات مبنية على أسس متينة، كما يلي:
أولًا: التعرف على المعارف والمهارات اللازمة
التعرف على المعارف والمهارات الضرورية واللازمة نحو الانجاز، حيث أن عدم وجودها يقلل من قوة القرار ويجعله بعيدا عن الواقع، فطبيعة الإنجاز ونوعه تحدد المعارف المطلوب أن نتدرب عليها أو أن نتعلمها، والجدير ذكره هنا بأن مستوى فهم هذه المعارف هو الذي يحدد القدرة على الإنجاز من عدمه، ومستوى مهاراتنا يحدد الحاجة للتدريب.
ثانيًا: التعرف على المصادر المتاحة
أن التعرف على الأدوات والعناصر التي تساعدنا أثناء عملية الإنجاز واستكشافها يعد أمراً مهما وداعما للقرار مثل المعلومات، والخبرات البشرية بأنواعها المختلفة، وتوفر رأس المال وغيرها.
ثالثًا: التعرف على العقبات والتحديات المتوقعة
يجب علينا قبل اتخاذ القرار أن نحدد العقبات التي قد تواجهنا في الطريق بحيث نضع لها خطة محددة للتغلب عليها.
رابعًا: تحديد الأهداف الخاصة بالإنجاز
إن تحديد الأهداف نحو الإنجاز المطلوب يعتبر أمرًا مهمًا للغاية وذلك لتوجيه كافة جهودنا نحو ما نرغب بتحقيقه على أرض الواقع، وهذا يتطلب أن يكون لدينا معرفة تامة وتفصيلية بما نود عمله من خلال سلم الأولويات.
المرحلة الرابعة: التخطيط
يمكن تعريف التخطيط على أنه مجموعة من الخطوات والإجراءات لتحقيق الإنجاز المطلوب، فالتخطيط يحفزنا للتفكير نحو المستقبل، وينسق كافة جهودنا نحو الإنجاز، ويوضح لنا معالم الطريق، كما يلي:
أولًا: تحديد المهام والأولويات
يجب تجزئة الإنجاز المراد تحقيقه إلى أهداف محددة ومن ثم تحويل كل هدف إلى مهام يمكن تحقيقها على أرض الواقع، بحيث يتم تحقيق الهدف الكلي من خلال إنجاز تلك المهام، ومن المهم أيضًا معرفة العلاقة التي تربط تلك المهام بعضها البعض لتحديد أولويات يتم تنفيذها دون تسويف أو تأجيل.
ثانيًا: اختيار الأساليب والأدوات
إن عمليات تحقيق الأهداف المختلفة تحتاج منا إما إلى استخدام أساليب تنفيذية نألفها، أو أخرى يجب أن نتعلمها، وهذا ما يحدده نوع الإنجاز والذي بدوره يحدد نوعية الأدوات المختارة والتي تساعدنا في عملية التنفيذ.
ثالثًا: حساب التكاليف المالية
قد يحتاج الإنجاز المطلوب إلى تكاليف مالية يجب حسابها ومعرفتها طوال عملية التنفيذ.
رابعًا: تحديد الوقت اللازم
يجب تحديد الوقت اللازم لتحقيق الإنجاز بناء على خطة العمل بحيث يتم تقسيم الوقت على كافة المراحل بصورة تتناسب مع نوعيتها.
المرحلة الخامسة: الالتزام الذاتي
إن الالتزام الذاتي نحو الإنجاز له مكونات جوهرية إن تعرفنا عليها وتعاملنا معها لأصبحنا أكثر قدرة على الالتزام، ويصبح إكمال الطريق أمراً ميسراً، ونعتقد بأن هذه المرحلة في هذا النموذج من أهم المراحل بحيث أن الكثير منا يصل إليها ولكن لا يقف عندها إما لجهلٍ أو عدم رغبة في مواجهة الحقائق، فتفاعل هذه المكونات وارتباطها الوثيق ببعضها هو المحك الفيصل في مواصلة الطريق نحو الإنجاز.
المكون الأول: الحماس
نقصد بالحماس نحو موضوع الإنجاز هو الشغف لأمر معين يدفعنا تجاهه، ويكون شغلنا الشاغل، بحيث يلهمنا معظم الوقت ويحفزنا نحو تحقيق ما نصبو إليه.
المكون الثاني: التركيز
التركيز هو انشغال الذهن بأفكار تتعلق بمشروع الإنجاز وتتجاهل الأمور الأخرى التي ليس لها علاقة بالإنجاز ومن الممكن أن تضعف من التركيز وتخل به. وهنا نحتاج إلى التدرب على التحكم بأفكارنا وقيادتها، وخلاف ذلك يؤدي إلى نتائج عكسية.
المكون الثالث: الانضباط
إن الانضباط نحو الانجاز يعد أمرًا حيويًا، ويجهل حقيقته غالبية الناس، فالانضباط هو تدريب الذات وتطويعها نحو أنماط سلوكية معينة تؤدي إلى الانجاز من خلال التحكم بأفكارنا ومزاجنا النفسي لتغيير سلوكياتنا، بحيث أننا يجب أن نتعرف على السلوكيات الذاتية سواء كانت موجودة لدينا أو يجب علينا أن نتعلمها والتي تمكننا من الانجاز المطلوب، ومفتاح ذلك ليونة الطبع ومرونته.
المكون الرابع: المثابرة
هي الأداء الثابت والمستمر لما نقوم به ولفترة معينة، والصبر على ذلك رغم الصعاب والتحديات.
المكون الخامس: المسؤولية
إن الشعور بالمسؤولية يعني الالتزام الذهني والأخلاقي نحو الانجاز، والاستعداد لمواجهة كافة التحديات، وتحمل النتائج المترتبة على ذلك.
المرحلة السادسة: إدارة الإنجاز
إن الإدارة الذاتية للنفس تتمثل في تنظيم أمورنا الحياتية والتحكم بسلوكياتنا المختلفة بما يتناسب وهذا التنظيم، وهذا في مجمله يكون من المنظور القيمي الذي نؤمن به، فاستغلال إمكاناتنا الكامنة وقدراتنا الحالية والمتاحة لتحقيق الإنجاز المطلوب يحتاج إلى استثمارها بصورة فاعلة.
أولًا: التنفيذ
هناك رابط وثيق ما بين التنفيذ والتقدم المستمر نحو تحقيق الإنجاز، فتنفيذ المهام بحسب الأولويات يقربنا إلى تحقيق الأهداف المحددة ومن ثم الإنجاز المطلوب، وهنا يجب أن نشرف بصورة مباشرة على هذه المهام للتأكد من عملية الانتهاء منها، والانتقال إلى الأهداف الأخرى، وهكذا دواليك. وأما التنسيق ما بين جهودنا الذاتية والمختلفة وحتى مع الآخرين، لا تقل أهمية عن غيرها من العناصر.
ثانيًا: مراقبة النتائج
إن عملية التأكد من تحقيق الأهداف تتطلب المراجعة الدورية لكل الأفعال التي قمنا بها، والتأكد من معطياتها يوفر لنا انطباعاً قوياً عن نتائج محصلة المرحلة الحالية بعد ما تم بذله من جهود، وهذا هو المعيار الحقيقي لقياس تطور عملية الإنجاز.
ثالثًا: التقويم (التقييم)
إن عملية تقويم تنفيذ مراحل الإنجاز تتلخص في التحقق من ومقارنة ما تم تنفيذه بالنسبة إلى ما تم التخطيط له عبر مقاييس محددة، ونستطيع عمل هذا التقويم بشكل ذاتي أو عبر مساعدة الآخرين.
رابعًا: المراجعة والتصحيح
وهنا يتم مراجعة جميع النشاطات والجهود المبذولة والمرتبطة بهذا الإنجاز بقصد تصحيح ما ينبغي تصحيحه من أجل أداء أفضل ونتائج تقربنا لتحقيق الإنجاز.
{jcomments off}