في العصر الجليدي وعندما كان الإنسان لا يخضع لمنهجية إبستمولوجية عقلائية , دخل في صراع مع قوى ميتافيزيقية , وماورائية . جعلته يطرح تساؤلات عن الكينونة و موجب الوجود , فكانت حركة الميكانيزمات العقلائية التي تنسبها المركزية الأوروبية إلى الموروث الإغريقي , والذي تجاوز العقل الفرعوني و كهنوت الرجل المصري , و في الأصل كانت النبوة هي الراسمة للطفرة الإكلينيكية وكان ذلك قبل العصر الهرقيطي الفلسفي .
وهو الأمر الذي أوجد صراعا بين الغوغائيين و العبثيين و دخل على الخط الحشاشون الذين نسفوا واقعية المعلول , و مادية المعقول و اللامعقول , و حدث أن تسربّ تراث كريشنا وبوذا و طاو إلى دائرة المعرفة الإغريقية التي كان يعتبرها المعلم الأول هرطقة فوقية لها أصول سماوية , و سار على هذا الخط المعتزلة أصحاب نظرية الخرّاق , الذين ردوا على ثقافة النص والبراق , و في أوج الصراع الأرثوذكسي حول منتوج الفكرة البيتاغورية و الوهمية الأفلاطونية , المردودة أساسا من قبل الرؤية الأبيقورية و الأستموزية ,كان العقل الغربي يتبجح بإنبلاج الديكارتية و و التوماسية والرومنطقية و الماركسية و السبينوزية , غير أن الرؤية البنيوية لا ترى ما ذهب إليه رجال الحداثية و مابعد الحداثة المخرومون بمبادئ اللينينة و التروتسكية , على إعتبار أنّ ما تقدم هو منتوج الرأسمالية المستنبطة أساسا من المدرسة السميتية منذ المرحلة الزراعية فالصناعية ووصولا إلى المرحلة التقنية وما بعد التقنية .
و هذه الأخيرة تعتبر نفسها إمتدادا للإكوينية التي أفضت إلى البيكونية ومنه إلى الجيرومية , فالهيغلية و الهيرغيرية المتأثرة بالهيومية و الكانتية , و المتطابقة مع الروسية - نسبة إلى جان جاك روسو , فالسبينوزية . أما الكونفشيوسية , فقد عزلت من قبل المركزية الغربية ذات النزعة العنصرية المـتأثرة بنزعة الإستعلاء الجينية والتي أفرزت الفاشية و الهتلرية النازية القائمة على تضخيم الآنا وأسس المدرسة العنصرية , ورغم إدخال المنطق الرياضي والنظرية السببية , حتى الوجودية على تفاصيل المدرسة الأفقية التحديثية ظل العقل المخروطي اللاتيني سليل نظرية التفوق الروماني الأبيض الذي إنطلق في ما قبل المرحلة البيزنيطية .
و حتى العقل العربي إقتبس من ذا وذاك , فسقط في إشكالات الشوفينية و تأثر بالأبعاد البروليتارية , وخلط بين الأرسطية و الأفلاطونية وكثير من المدارس الهندية والفارسية و الإغريقية فكانت النتيجة جمعا بين الوجود واللاوجودية , وبين المادية والميتافيزيقية , متأرجحا بين الثقافة النصية و الإستنتجات الهيروطيقية و التي كانت سائدة في المرحلة البدائية و بداية التشكلات الفكرية , و تاه بعد ذلك في المدرسة الروحية والشكوكية و الملكية و الجمهورية , ساقطا بعد ذلك في البراغماتية والشوفينية مفتقدا كل الأساليب البيداغوجية و خصوصا بعد إن إعتمد الدوغمائية في مرحلة صراع الأفكارالعمالية و الرأسمالية , وعندها بدأ يفقد الديناميكية و إرتمى في أحضان السيسمية و الإغيزمية , وأضحى شبيها بالتطورية الدارونية , جامعا بين الغنوصية و المثالية واللاأدرية , وأنتج كل ذلك تحررية مادية , لا علاقة لها بالذاتية العلومية , وإن زعم أنه إرتمى في أحضان العلمانية اللائكية , وبات يجمع بين التمظهرية والشمولية , وحتى اللغة الخطابية البنائية أصبحت أقرب إلى الهيروغليفية , على أساس مرحلة العولمة و الكوكبية , التي باتت بديلا للشمولية الحصرية القائمة على إفرازات المدرسة الأدرية , و الوجودية السارترية والتي إدعّت أنها قبرت المدرسة اللاهوتية , و أعادت الإعتبار للمدرسة الإنسانية الشهوانية , والتي كرستها الهوبزية , التي أباحت الحرية الجنسية , وأفضت إلى ما يعرف بالمدرسة الشيطانية , التي ورغم ما نالته من دعاية ظلّت نسبية , محصورة في العقل الجغرافي المحدود , قبل أن يطل علينا أينشاتين بنظريته النسبية , الممزوجة بين الفهم و اللافهمية في تفسير مفهوم الطاقة الكونية , و الموزعة بين البنائية والتفكيكية , التجزيئية و الموضوعية , و التي شكل إضطرابها تهاوي الإشتراكية و تأزم الليبرالية و الرأسمالية , و إنشطار الإسلام إلى مذاهب كلامية , وفلسفات بيزنطية , على يد المدارس الكلامية و الفقهية و التي أخذت من القرآن ما به تدعم رؤيتها الهلينية , ضاربة المفهومة المعرفية الجامعة و حتى الـرأسـمـالية عاشت ردحا من الزمن بسبب جـذورهـا الفكـرية الأمبريالية التي أوضحتها المدرسة اللوكية وفي الـقـرنـين السـابع عـشر والثـامن عـشر و كـانت اللـيـبراليـة تـمـثل البـرنـامج المسلكي والإيـديولـوجي للبـرجـوازيـة الـفـتيـة و التي كـانت تـنـاضـل ضـد بـقـايـا الإقطاعيـة و حاولت أن تـلعـب دورا تـقـدميـا شـعـبيـا ، وكـانت تـدعـو إلى حـمـاية مصـالح الـملكية الـخـاصة وتـوفير الـمنـافسة الحـرة والسوق الحـرة وتـرشيح مـبـادئ الـديمقراطية وإشـاعـة الحـياة الدستورية وإقـامة الأنـظمـة الجـمهـورية .
ومع دخـول الرأسمالية طـورهـا الأمـبريالي راحـت اللـيبـرالية تشرّع فلسفة القضاء على الجماهير الشعبية التي حاولت القذافية الدفاع عنها , لكن في المسارات النظرية .
و لم تنجح العقلانية و التنويرية في تصحيح البنى الفكرية , و أخفقت كل المدارس الفكرية في تصويب العقل البشري الذب نزع نحو الأمبريالية والسوبرمانية و القنبلة النووية . وهنا نشأت مدرسة الأخروية التي تؤمن بقرب إنتهاء الدورة البشرية , و التي ستسبب فيها القوى العدمية والتي قد تستخدم القنبلة الذرية .. على أساس الفلسفة الذرائعية والقائمة على الـفـهـم الـذاتي للـمـمـارسة والـصدق بـالـذرائعـية ومنه تنطلق إلى تـحـديد مـفهـوم مــا (( أي فكرة )) بــأنـهـا (( أداة )) فـعـل والمـعـرفـة بـأنهـا الـمـجمـل الكـلي للـحقائق الصـادقـة .
وقـد سـيـطرت الـذرائـعـية لـوقت طويل عـلى الحـياة الـروحية في الولايات المتحدة الأمـريكية و الذرائعية منهج أسسـه بيـرس ووليـم جيمس وديوي وصـيـغـت الـذرائـعـية كـمنـهـج لحـل الـمنـازعـات الفلسفية بـوساطة مقـارنة النتائج العملية ، النـاتجـة عـن نـظريـة مــا ، كنـظرية للصـدق : والصدق هـو ما يـنـفع عـلى أفضل وجـه بـحيث يـقودنا إلى , و تنكبت أكثر و إزدادات إنحدارا مع تحالف الصهيونية و البروتستنانية و التي إبتعدت عن المنطلقات اللوثرية . وهذه الأخيرة تحالفت أو إنساقت إلى العدمية و التي هي مــذهـب ينـكـر القـيـم الأخـلاقـيـة ، ويـعـدهـا مـجـرد وهـم وخـيــال مع تحـرير الفـرد من كـل سـلطة مـهـمـا يـكـن نـوعـهـا , و قد دخلت في صراع مع الدين و الرؤية الكونية القائمة على أساس للمنظومة الكونية واجب وجود و أعتبر ذلك هرطقة وميثولوجيا وهمية تعتمد الأسـاطـيـرو الحـكـايـات التي تـولـدت في الـمـراحـل البدائية للإنسانية . و رغم بروز مصطلح حوار الحضارات فإن المركزية الأوروبية ما زالت محكومة بالجنيالوجية (Généalogie) التي جعلت المركزية الغربية تدعي الترابط والتفوق على الشرق الغبي والكسول كما قالت المونتسكوية .
لكن رغم كل المراحل الإبداعية للعقول البشرية , تظل كل الفلسفات البشرية عاجزة عن رسم مسار للإنسان , و يظل هذا الإنسان في حاجة إلى خالقه الحقيقة الوحيدة في عالم الذهن و الوجود .