تحثني نفسي على الاختباء بداخلي، ألوذ بشوق مفعم، أنشغل برغبة آسرة، تتمايل روحي لمعانقة شهوة من نوع آخر، أنها شهوة الفكر التي تجبرني على التشبث بالافكار...أنها لذة القلم التي تحرض الحنين القابع في أعماقي، ليستمر لهثي وراء رائحة الكتابة. عجبا! تستثيرني هذه الكتابة، تطغى على تفكيري، تأسر لذتها جسدي المعذب، تـدور حياتي في فلكها الممتع، يغرق فكري في محرابها، تزورني الساعات والدقائق، تتشبث أنفاسي بالخطيئة المباحة، يشتهي قلبي كل ما هو مخطوط، تستلذ عيوني بكل لما هو رائع في بطون المقالات ودهاليز الكتب لتقاسمني الافكار المنام والممشى والمجلس.
تتحرك أسئلة في دماغي، اشم روائح الجرائد، ويحرك منظرالكتب غريزتي، يدمن بصري مواقع الادب، تبتلي خلايا عقلي بالكلمات النفاذة وتختلط شرايين دمي بالرموز المغرية.أندفع لا شعوريا لمضاجعة القراءة، تلتقط عيوني الحروف، وتصادفني الافكار الخاطفة، تتوالد مجموعة من الاحداث، لتستنفر أغوار ذاتي، تكثر الخيالات، تتعايش هموم البشر في صدري..يختزل عقلي الواقع..ويبذل ذهني طاقة لتفريخ الافكار وصناعة الكلمات، تختلط تلك العناصر في مخيلتي، لتشن الكتابة حربا ضروس، تتصدع معها الدفاعات، تتجمد الحواس، ينهار الجسد،لاستسلم سريعا وبدون مقاومة. تصاب روحي بغيبوة طويلة، أغيب عن العالم المنشغل بحروبه، يغرق عقلي في سكراته، ليخرج المارد من الاعماق، يتنزع الكلمات من صدري انتزاعا، يفرغ الرغبات، ويكرس المشاعر، تتدفق الحروف خلسة من بين أصابعي، يجري مداد القلم بسلاسة، تجمح روحي نحو أزرار الحاسوب، لتطبع الانامل ارقى الكلمات.
عندها أستسهل فك الطلاسم..تفسير الاسرار..اكتشاف الخلاص..وعصر المعاني..ليعيش وجداني شهوة لا تقاوم، وتحس جوارحي بالراحة، يهدء طوفان الاحاسيس، وتصل ذاتي الى ذروة اللذة لينتهي الكبت الغائر في اعماقي. لا تعرف نفسي طيش الكتابة، طعامها العلم وسلاحها الثقافة وسيفها الكلمة الصادقة..يرفض قلمي ممارسة الدعارة على صدور الاوراق وتستنكر اصابعي مزاولة الشذوذ وتدرك عيوني قدسية الحروف. أخيرا شهوة الكتابة ..هي نفق الخلاص من الظلام..وقاربي الوحيد في بحر الهموم..سأظل أدواي بها جروح الايام وأغسل واقعي المر..سألعق الاطراء ويظل قلبي يخفق لكلمات الانتقاد..سأضمن رضا الخالق وبركاته...ومهما تقدم العمر وبدأت قصتي مع الموت فلن استطيع أشباع شهوة الكتابة.