إن الإعلام والسخرية مزيجان ثقيلان بمكوناتهما؛ ولكنهما قد يلتقيان أحيانًا لتحقيق أهداف معيَّنة، فالأول له إيجابياته وسلبياته، ولا يجدر التعامل معه إلا بما يساير ديننا الحنيف، وبما ينصبُّ في مصلحة دولنا الإسلامية، ولا يجب أن يُترك الإعلام للهوى والارتجال والمزاجية والفوضى، أما السخرية فكل ما تحمله في طياتها الاستهانة بالناس وتحقيرهم، وذكر عيوبهم ونقائص صفاتهم، والتهكم بأقوالهم وبأفعالهم، من خلال القول أو الفعل أو الإشارة، أو غير ذلك.


لن أتحدث هنا عن نهي الله - سبحانه وتعالى - عن السخرية بالناس، واحتقارهم والاستهزاء بهم، ولن أتكلم عن نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن احتقار الناس واستصغارهم، فهذا حرام؛ "فقد يكون المحتقَرُ أعظمَ قدرًا عند الله تعالى، وأحب إليه من الساخر منه، المحتقِر له"؛ كما جاء في تفسير ابن كثير للآية الحادية عشرة من سورة الحجرات؛ فهذا أمر معروف لدي الجميع، ولا ينكره إلا جاهل أو متجاهل.


ولكن سوف أتطرق للموضوع من ناحية الصورة الذهنية (Image)، والذي نعني بها كيف ينظر الناس للآخرين - سواء أكانوا أفرادًا، أم مجموعةً من الناس، أم مؤسساتٍ دينيةً أو مدنية أو تجارية - وما انطباعاتهم عنهم، وما الشعور الذي يراودهم عند الحديث عنهم مثلاً، وهذه الصورة الذهنية بالطبع تتأثر بالإعلام والسخرية المنظمة، وسوف أركز هنا على تأثيرهما السلبي على صورة الأوطان المسلمة.


في المجتمع الإنساني المسلم، لكل شيء ضابط يضبطه، ولكل أمر حدود تحكمه، ولكل فكر عقيدة تربطه، ولكل قيمة ميزان يزنها، ولكل قول كلمات تناسبه، ولكل فعل سلوكيات تلائمه، ولكل عمل شروطه، ولكل موقف استجابة تسايره، ولكل مهنة أخلاقياتها... وهكذا.


فحدود الله – سبحانه - تَحُدُّ من هوى الإنسان و"عنجهيته"، وتهذِّب نفسه الأمّارة بالسوء، وتضبط حركاته وسكناته؛ لذا لا يقرب لحدود الله، ولا يستهزأ بالدين ولا أصحابه، ولا يُميِّع عقيدة الرب، ولا يؤولها بمزاجه تحقيقًا لمصالحه، ويحترم الدولة التي يعيش بها وقد أصبحت وطنًا له، ولا يؤثر سلبًا في مزيج ثقافة مجتمعه المتغيرة، ويعلم بيقين أن الله مراقبه وسائله ومحاسبه على كل خلل أصاب المجتمع منه ومن أقواله وأفعاله.


والإعلام من أهم العوامل التي تغيِّر من النسيج المجتمعي الإنساني، وتؤثر فيه سلبًا وإيجابًا، وبالتالي فإن الإعلام الجاد والمحترف بمختلف أنواعه يُعتبر من الوسائل القوية لإظهار هذا الدين العظيم عالميًّا، بصورة ذهنية تليق بمكانته الكريمة، وتساير منزلته الرفيعة، ويجب على أهل الإعلام - وخصوصًا من يملكونه؛ مثل القنوات الفضائية الخاصة - التصرُّف وَفْقًا لقواعد الدين الشرعية، وضوابطه الفقهية، قبل استخدام الأدوات الإعلامية المتاحة، ومعرفة ما يناسب منها مجتمعاتِنا الإسلاميةَ، وتسخيرها لدعم ركائز الأخلاق والفضائل والقيم، والتعليم والتدريب، وكل ما يرتقي بمجتمعاتنا المسلمة.


أما ما نشاهده من الإعلام أحيانًا من التجرُّؤ على هذا الدين، وبعض آياته وأحاديثه الصحيحة – بصورة غير مباشرة ومقصوده أحيانًا، وغير مقصودة أحيانًا أخرى – ليُحْزِن النفس، ويغضب الرب، ويجلب الخزي والمذلة، ويذهب الألفة والبركة، فضلاً عن أن هذا النوع من الإعلام الرديء يؤثر بشكل سلبي وحاد على الصورة الذهنية التي تتكون عن الدولة المسلمة ورموزها، ونخبها المجتمعية، ويهزُّ مكانتها بين الدول والشعوب، ويجعل الآخرين يتجرؤون عليها، فيخفّ وزنها بين الدول، وتقلّ مكانتها بين الأمم حتى تصبح أمة واهية.


لذا؛ أراك وأراني نزداد عجبًا وإعجابًا بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ كان يُؤْمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمُت))؛ متفق عليه.


والآن هل أدركت أيها الإعلامي هذا المقال أم فقط فهمته؟ فشتان ما بين الإدراك والفهم!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية